الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما يكره من الصدقة

                                                                                                          حدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لآل محمد إنما هي أوساخ الناس

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          3 - باب ما يكره من الصدقة

                                                                                                          1887 1839 - ( مالك أنه بلغه : ) ، رواه مسلم من طريق جويرية بن أسماء ، وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن أبي داود ، كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب : أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تحل الصدقة لآل محمد ) ، بني هاشم فقط عند مالك - رضي الله عنه - وأكثر أصحابه ، وأبي حنيفة إلا أنه استثنى آل أبي لهب ، وعند الشافعي - رضي الله عنه - وبعض المالكية بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وعند أحمد القولان ، ( إنما هي أوساخ الناس ) ، وهم منزهون عن ذلك صيانة لمنصبه ، لأنها تنبئ عن ذل الآخذ ، وعز المأخوذ منه لحديث : " اليد العليا خير من اليد السفلى " [ ص: 680 ] وأبدلوا بالفيء المأخوذ على سبيل القهر والغلبة ، المنبئ عن عز الآخذ ، وذل المأخوذ منه .

                                                                                                          وتعقب ابن المنير هذا التعليل بأنها مذلة بأن مقتضاه تحريم الهبة لهم ، ولا قائل به ولأن الواهب له أيضا اليد العليا ، وقد جاء في بعض الطرق : اليد العليا هي المعطية ، وهي المتصدقة فيدخل الهبات ، انتهى .

                                                                                                          وقال الباجي : لأنها تطهر أموالهم ، وتكفر ذنوبهم ، والأصح عند المالكية ، والشافعية : أن المحرم عليهم صدقة الفرض دون التطوع : " لقول جعفر بن محمد عن أبيه : أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، فقيل له : أتشرب من الصدقة ؟ فقال : إنما حرم علينا الصدقة المفروضة " ، رواه الشافعي ، والبيهقي .

                                                                                                          قال الباجي : محل حرمة الفرض ما لم يكونوا بموضع يستباح فيه أكل الميتة .

                                                                                                          وفي الحديث قصة لا بأس بذكرها ، لأنها من مسند مالك خارج الموطأ ، قال مسلم : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسما الضبعي ، قال : حدثنا جويرة بن أسما عن مالك عن الزهري ، أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال : " اجتمع ربيعة بن الحارث ، والعباس بن عبد المطلب ، فقالا : والله لو بعثنا هذين الغلامين ، قال لي ، وللفضل بن عباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلماه ، وأمرهما على هذه الصدقات ، فأديا ما يؤدي الناس ، وأصابا مما يصيب الناس ، قال : فبينهما على ذلك جاء علي بن أبي طالب ، فوقف عليهما فذكرا له ذلك ، قال علي : لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل ، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال : والله ما تصنع هذه إلا نفاسة منك علينا ، فوالله لقد نلت صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما نفسناه عليك ، قال : أرسلوهما ، واضطجع علي قال : فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر سبقناه إلى الحجرة ، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ، ثم قال : اخرجا ما تصرران ، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش ، قال : فتواكلنا الكلام ، ثم تكلم أحدنا ، فقال : يا رسول الله أنت أبر الناس ، وأوصل الناس ، وقد بلغنا النكاح ، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما تؤدي الناس ، ونصيب كما يصيبون ، قال : فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه ، وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه ، ثم قال : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعو إلي محمية ، وكان على الخمس ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، فجاء فقال لمحمية : أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس ، فأنكحه ، وقال لنوفل بن الحارث : أنكح هذا الغلام ابنتك لي فأنكح لي ، وقال لمحمية : أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا " ، قال الزهري : ولم يسمه .

                                                                                                          ورواه أيضا من طريق يونس عن ابن شهاب بنحو حديث مالك ، وقال في الحديث : " إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ، ولا لآل محمد " ، قال النسائي : لا أعلم من ذكر هذا الحديث عن مالك عن جويرية ، وتعقب بأنه [ ص: 681 ] رواه الحافظ قاسم بن أصبغ عن سعيد بن داود بن أبي زنبر - بفتح الزاي ، والموحدة ، بينهما نون ساكنة - صدوق له عن مالك مناكير ، لكنه هنا متابع لجويرية ، فلم ينفرد به جويرية كما ادعاه النسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية