الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                  قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) الآية [ 6 ] . نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إلى بني المصطلق مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع القوم [ به ] تلقوه تعظيما لله تعالى ولرسوله فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم ، فرجع من الطريق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : سمعنا برسولك ، فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى ، فبدا له في الرجوع ، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) يعني الوليد بن عقبة .

                                                                                                                                                                  760 - أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الشاذياخي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال : حدثنا سعيد بن مسعود قال : حدثنا محمد بن سابق قال : حدثنا عيسى بن دينار قال : حدثنا أبي أنه سمع الحارث بن ضرار يقول : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاني إلى الإسلام ، فدخلت في الإسلام وأقررت فدعاني إلى الزكاة ، فأقررت بها ، فقلت : يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، فترسل لإبان كذا وكذا لآتيك بما جمعت من الزكاة ، فلما جمع الحارث بن ضرار [ ممن استجاب له ] وبلغ [ ص: 203 ] الإبان الذي أراد أن يبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتبس عليه الرسول ، فلم يأته ، فظنالحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله ، فدعا سروات قومه ، فقال لهم : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان وقت لي وقتا ليرسل إلي ليقبض ما كان عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة ، فانطلقوا فنأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق ، فزع فرجع فقال : يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي ، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعث إلى الحارث ، وأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة ، فلقيهم الحارث فقالوا : هذا الحارث ، فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم ؟ قالوا : إليك قال : ولم ؟ قالوا : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بعث إليك الوليد بن عقبة ، فرجع إليه ، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله قال : [ لا ] والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته ولا أتاني . فلما أن دخل الحارث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ " قال : لا والذي بعثك [ بالحق ] ما رأيت رسولك . ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رسولك خشية أن تكون سخطة من الله ورسوله . قال : فنزلت في الحجرات : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) إلى قوله تعالى : ( فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ) .

                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية