الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها

                                                                                                                1329 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ثم مكث فيها قال ابن عمر فسألت بلالا حين خرج ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                ( باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره

                                                                                                                والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها
                                                                                                                )

                                                                                                                ذكر مسلم - رحمه الله - في الباب بأسانيده عن بلال - رضي الله عنه - : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها بين العمودين ) وبإسناده عن أسامة رضي الله عنه ( أنه صلى الله عليه وسلم دعا في نواحيها ولم يصل ) وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلاللأنه ؛ لأنه مثبت ، فمعه زيادة علم فواجب ترجيحه ، والمراد الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود ، ولهذا قال ابن عمر : ونسيت أن أسأله : كم صلى ؟ وأما نفي أسامة فسببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب ، واشتغلوا بالدعاء ، فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ، ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت ، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى ، وبلال قريب منه ، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه ، ولم يره أسامة لبعده واشتغاله ، وكانت صلاة خفيفة فلم يرها أسامة لإغلاق الباب مع بعده واشتغاله بالدعاء ، وجاز له نفيها عملا بظنه ، وأما بلال فحققها فأخبر بها . والله أعلم .

                                                                                                                واختلف العلماء في الصلاة في الكعبة إذا صلى متوجها إلى جدار منها أو إلى الباب وهو مردود ، فقال [ ص: 450 ] الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور : تصح فيها صلاة النفل وصلاة الفرض ، وقال مالك : تصح فيها صلاة النفل المطلق ، ولا يصح الفرض ولا الوتر ولا ركعتا الفجر ولا ركعتا الطواف ، وقال محمد بن جرير وأصبغ المالكي وبعض أهل الظاهر : لا تصح فيها صلاة أبدا لا فريضة ولا نافلة ، وحكاه القاضي عن ابن عباس أيضا ، ودليل الجمهور حديث بلال وإذا صحت النافلة صحت الفريضة ؛ لأنهما في الموضع سواء في الاستقبال في حال النزول ، وإنما يختلفان في الاستقبال في حال السير في السفر . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( وعثمان بن طلحة الحجبي ) هو بفتح الحاء والجيم منسوب إلى حجابة الكعبة ، وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها ، ويقال له ولأقاربه : الحجبيون وهو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، ، واسم أبي طلحة : عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري ، أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية ، وشهد فتح مكة ، ودفع النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إليه وأبي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال : " خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم " ثم نزل المدينة فأقام بها إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم تحول إلى مكة فأقام بها حتى توفي سنة اثنتين وأربعين ، وقيل : إنه استشهد يوم ( أجنادين ) بفتح الدال وكسرها ، وهي موضع بقرب بيت المقدس كانت غزوته في أوائل خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت . ) . قال القاضي عياض : قال العلماء : لا يجوز لأحد أن ينزعها منهم ، قال : وهي ولاية لهم عليها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبقى دائمة لهم ولذرياتهم أبدا ، ولا ينازعون فيها ، ولا يشاركون ما داموا موجودين صالحين لذلك . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( دخل الكعبة فأغلقها عليه إنما أغلقها عليه صلى الله عليه وسلم ليكون أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه ، ولئلا يجتمع الناس ويدخلوا ويزدحموا فينالهم ضرر ويتهوش عليه الحال بسبب لغطهم . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه ) هكذا هو هنا وفي رواية للبخاري : عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وهكذا هو في الموطأ وفي سنن أبي داود ، وكله من رواية مالك ، وفي رواية للبخاري : عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره .




                                                                                                                الخدمات العلمية