الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [26 - 30] كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق

                                                                                                                                                                                                                                      كلا إذا بلغت التراقي أي: بلغت النفس أعالي الصدر. وإضمارها -وإن لم يجر لها ذكر- لدلالة السياق عليها، كقول حاتم:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5997 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر



                                                                                                                                                                                                                                      قال الرازي: يكني ببلوغ النفس التراقي، عن القرب من الموت، ومنه قول دريد ابن الصمة:


                                                                                                                                                                                                                                      ورب عظيمة دافعت عنها     وقد بلغت نفوسهم التراقي



                                                                                                                                                                                                                                      ونظيره قوله تعالى: فلولا إذا بلغت الحلقوم وقيل من راق قال ابن جرير : أي: وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا. أي: فالاستفهام بمعنى الطلب لراق أو طبيب. وجوز كونه بمعنى الإنكار، يأسا من أن يقدر أحد على نفعه برقية أو عوذة.

                                                                                                                                                                                                                                      لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الواحدي : إن إظهار النون عند حروف الفم لحن، فلا يجوز إظهار نون " من " في قوله: من راق وروى حفص عن عاصم إظهار النون في قوله: من راق و بل ران قال أبو علي الفارسي : ولا أعرف وجه ذلك. قال الواحدي : والوجه أن يقال: قصد الوقف على " من " و " بل " فأظهرهما، ثم ابتدأ بما بعدهما. وهذا غير مرضي من القراءة. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      نقله الرازي.

                                                                                                                                                                                                                                      وظن أنه الفراق أي: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال.

                                                                                                                                                                                                                                      والتفت الساق بالساق أي: التوت ساقه بساقه، فلا يقدر على تحريكها. وقيل: هما ساقاه، إذا التفتا في الكفن. وقيل: الساق عبارة عن الشدة، كما مر في سورة القلم. والتعريف للعهد أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب: فإن قلت: ما مر هو الكشف عن الساق، ووجهه ظاهر؛ لأن المصاب يكشف عن ساقه، فكيف ينزل هذا عليه؟

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: الأمر كما ذكرت، لكنه شاع فيه، ففهم ذلك من السياق وحده، حتى صار [ ص: 5998 ] عبارة عن كل أمر فظيع، كما أشار إليه الراغب، انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      إلى ربك يومئذ المساق أي: سوقه إلى حكمه تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية