الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة : ( يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر ويمشي في الأربعة ) .

الأصل في ذلك : ما روي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم ( إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ، ومشى أربعا ، وكان يسعى ببطن الوادي إذا طاف بين الصفا والمروة ) . وفي رواية ( رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم من [ ص: 440 ] الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا ) وفي رواية : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طاف في الحج ، أو العمرة - أول ما يقدم - فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة ) . متفق عليهن ، وقد تقدم مثل ذلك في حديث جابر في صفة حجة الوداع ، وهي آخر نسك فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية : ( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف ) . رواه مسلم .

وأصل ذلك : ما روى ابن عباس قال : ( قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فقال المشركون : إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب ، وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا ما بين الركنين ، ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم ) . متفق عليه . وهذا لفظ البخاري .

ولفظ مسلم : ( لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب قال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ، ولقوا منها شدة فجلسوا مما يلي الحجر ، وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ثلاثة أشواط ، [ ص: 441 ] ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ، هؤلاء : أجلد من كذا وكذا . قال ابن عباس : ( ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم ) وفي رواية عنه : ( إنما رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليري المشركين قوته ) . متفق عليه .

فكان أول الرمل هذا ، ولذلك لم يرملوا بين الركنين اليمانيين ؛ لأن المشركين كانوا من ناحية الحجر عند قعيقعان لم يكونوا يرون من بين الركنين .

وكان هذا في عمرة القضية ، ثم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك عمرة الجعرانة ومكة دار إسلام ، ثم حج حجة الوداع ، وقد نفى الله الشرك وأهله ، ورمل من الحجر إلى الحجر فكان هذا آخر الأمرين منه . فعلم أن الرمل صار سنة .

عن ابن عباس قال : ( رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته وفي عمره كلها ، وأبو بكر وعمر ، والخلفاء ) . رواه أحمد ، وقد رواه أبو داود في مراسيله عن [ ص: 442 ] عطاء : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعى في عمره كلها بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك ) قال : وقد أسند هذا الحديث ، وهذا الصحيح .

وعن عمر : أنه قال : ( ما لنا وللرمل وإنما راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله ، ثم قال : هي صنيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نحب أن نتركه ) . رواه البخاري ، وابن ماجه ، وقد تقدم عنه ، وعن ابن عباس في الاضطباع نحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية