الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ها أنتم هؤلاء أي: أنتم هؤلاء الحمقى حاججتم فيما لكم به علم كأمر موسى وعيسى عليهما السلام فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم وهو أمر إبراهيم عليه السلام حيث لا ذكر لدينه في كتابكم، أو لا تعرض لكونه آمن بموسى وعيسى قبل بعثتيهما أصلا، وليس المراد وصفهم بالعلم حقيقة وإنما المراد هب أنكم تحاجون فيما تدعون علمه على ما يلوح لكم من خلال عبارات كتابكم وإشاراته في زعمكم فكيف تحاجون فيما لا علم لكم به ولا ذكر ولا رمز له في كتابكم البتة؟! و (ها) حرف تنبيه، واطرد دخولها على المبتدأ إذا كان خبره اسم إشارة، نحو ها أنا ذا وكررت هنا للتأكيد، وذهب الأخفش أن الأصل أأنتم على الاستفهام فقلبت الهمزة هاء، ومعنى الاستفهام عنده التعجب من جهالتهم، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يحسن ذلك لأنه لم يسمع إبدال همزة الاستفهام هاء في كلامهم إلا في بيت نادر، ثم الفصل بين الهاء المبدلة وهمزة (أنتم) لا يناسب، لأنه إنما يفصل لاستثقال اجتماع الهمزتين، وهنا قد زال الاستثقال بإبدال الأولى هاء، والإشارة للتحقير والتنقيص، ومنها فهم الوصف الذي يظهر به فائدة الحمل، وجملة حاججتم مستأنفة مبينة للأولى، وقيل: إنها حالية بدليل أنه يقع الحال موقعها كثيرا نحو ها أنا ذا قائما وهذه الحال لازمة; وقيل: إن الجملة خبر عن (أنتم) و هؤلاء منادى حذف منه حرف النداء، وقيل: هؤلاء بمعنى الذين خبر المبتدأ، وجملة حاججتم صلة، وإليه ذهب الكوفيون، وقراؤهم يقرءون ها أنتم بالمد والهمز، وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بغير همز ولا مد إلا بقدر خروج الألف الساكن، وقرأ ابن كثير ويعقوب بالهمز والقصر بغير مد، وقرأ ابن عامر بالمد دون الهمز.

                                                                                                                                                                                                                                      والله يعلم حال إبراهيم وما كان عليه وأنتم لا تعلمون [ 66 ] ذلك، ولك أن تعتبر المفعول عاما، ويدخل المذكور فيه دخولا أوليا، والجملة تأكيد لنفي العلم عنهم في شأن إبراهيم عليه السلام ثم صرح بما نطق به البرهان المقرر فقال سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية