الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة السجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( الم ( 1 ) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( 2 ) ) قوله تعالى : ( الم ) : يجوز أن يكون مبتدأ ، و " تنزيل " : خبره .

والتنزيل بمعنى المنزل ، وهو في المعنى كما ذكرناه في أول البقرة ؛ فعلى هذا ( لا ريب فيه ) : حال من الكتاب ، والعامل تنزيل .

و ( من رب ) : يتعلق بتنزيل أيضا . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في ( فيه ) والعامل الظرف ؛ لا ريب هنا مبني .

ويجوز أن يكون ( تنزيل ) مبتدأ ، و " لا ريب فيه " الخبر ، و ( من رب ) حال كما تقدم . ولا يجوز على هذا أن تتعلق ( من ) بتنزيل ؛ لأن المصدر قد أخبر عنه .

ويجوز أن يكون الخبر " من رب " " ولا ريب فيه " حال من الكتاب ، وأن يكون خبرا بعد خبر .

قال تعالى : ( أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ( 3 ) ) .

[ ص: 313 ] قوله تعالى : ( أم يقولون ) : " أم " هنا منقطعة ؛ أي : بل أيقولون .

و " ما " في " ما أتاهم " : نافية ، والكلام صفة لقوم .

قال تعالى : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( مما تعدون ) : يجوز أن يكون صفة لألف ، وأن يكون صفة لسنة .

قال تعالى : ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ( 6 ) الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ( 7 ) ) .

قوله تعالى : ( الذي أحسن ) : يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو الذي ، أو خبرا بعد خبر .

و ( العزيز ) : مبتدأ ، و " الرحيم " : صفة ، و " الذي " : خبره .

و ( خلقه ) بسكون اللام : بدل من " كل " بدل الاشتمال ؛ أي أحسن خلق كل شيء .

ويجوز أن يكون مفعولا أول ، و " كل شيء " ثانيا .

وأحسن بمعنى عرف ؛ أي عرف عباده كل شيء .

ويقرأ بفتح اللام على أنه فعل ماض ، وهو صفة لكل ، أو لشيء .

قال تعالى : ( وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( أئذا ضللنا ) : بالضاد ؛ أي ذهبنا وهلكنا ؛ وبالصاد ؛ أي أنتنا ؛ من قولك : صل اللحم ، إذا أنتن .

والعامل في " إذا " معنى الجملة التي في أولها " إنا " أي إذا هلكنا نبعث ؛ ولا يعمل فيه " جديد " لأن ما بعد " إن " لا يعمل فيما قبلها .

قال تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ( 12 ) ) .

( ولو ترى ) : هو من رؤية العين ، والمفعول محذوف ؛ أي ولو ترى المجرمين ، وأغنى عن ذكره المبتدأ . و " إذ " هاهنا : يراد بها المستقبل ، وقد ذكرنا مثل ذلك في البقرة ، والتقدير : يقولون ربنا ، وموضع المحذوف حال ، والعامل فيها " ناكسوا " . .

[ ص: 314 ] قال تعالى : ( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ( 14 ) ) .

قوله تعالى : ( فذوقوا بما نسيتم ) : أي فذوقوا العذاب ؛ ويجوز أن يكون مفعول " فذوقوا " : " لقاء " على قول الكوفيين في إعمال الأول ؛ ويجوز أن يكون مفعول " ذوقوا " : " هذا " أي هذا العذاب .

قال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( تتجافى ) : و ( يدعون ربهم ) : في موضع الحال .

و ( خوفا وطمعا ) : قد ذكر في الأعراف .

قال تعالى : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( ما أخفي لهم ) : يجوز أن تكون " ما " استفهاما ، وموضعها رفع بالابتداء ، و " أخفي لهم " خبره ، على قراءة من فتح الياء . وعلى قراءة من سكنها وجعل " أخفى " مضارعا تكون " ما " في موضع نصب بأخفي .

ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي منصوبة بتعلم .

و ( من قرة ) : في الوجهين : حال من الضمير في " أخفي " .

و ( جزاء ) : مصدر ؛ أي جوزوا جزاء .

قال تعالى : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( لا يستوون ) : مستأنف لا موضع له ، وهو بمعنى ما تقدم من التقدير . و ( نزلا ) : قد ذكر في آل عمران .

قال تعالى : ( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( 20 ) ) .

[ ص: 315 ] قوله تعالى : ( الذي كنتم به ) : هو صفة العذاب في موضع نصب .

ويجوز أن يكون صفة النار ، وذكر على معنى الجحيم ، أو الحريق .

قوله تعالى : ( من لقائه ) : يجوز أن تكون الهاء ضمير اسم الله ؛ أي من لقاء موسى الله ، فالمصدر مضاف إلى المفعول ؛ وأن يكون ضمير موسى ؛ فيكون مضافا إلى الفاعل .

وقيل : يرجع إلى الكتاب ؛ كما قال تعالى : ( وإنك لتلقى القرآن ) [ النمل : 6 ] .

وقيل : من لقائك يا محمد موسى ، صلى الله وسلم عليهما ، ليلة المعراج .

قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( 24 ) ) .

( لما ) بالتشديد ظرف ، والعامل فيه : " جعلنا منهم " أو يهدون . وبالتخفيف وكسر اللام على أنها مصدرية .

قال تعالى : ( أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( 26 ) ) . ( كم أهلكنا ) : قد ذكر في طه .

التالي السابق


الخدمات العلمية