الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4592 ) فصل : وتستحب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيرا ; لأن الله تعالى قال { : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } . فنسخ الوجوب ، وبقي الاستحباب في حق من لا يرث وقد روى ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : يا ابن آدم ، جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك ، لأطهرك وأزكيك } . وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم } . رواهما ابن ماجه . وقال الشعبي : من أوصى بوصية ، فلم يجر ، ولم يحف ، كان له من الأجر مثل ما لو أعطاها وهو صحيح . وأما الفقير الذي له ورثة محتاجون ، فلا يستحب له أن يوصي ; لأن الله قال في الوصية { : إن ترك خيرا } { . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد : إنك أن تدع ورثتك أغنياء ، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس } . وقال { : ابدأ بنفسك ، ثم بمن تعول } . وقال علي رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي : إنك لن تدع طائلا ، إنما تركت شيئا يسيرا ، فدعه لورثتك . وعنه : أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة . وروي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال لها : لي ثلاثة آلاف درهم ، وأربعة أولاد ، أفأوصي ؟ فقالت : اجعل الثلاثة للأربعة . وعن ابن عباس قال : من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية . وقال عروة : دخل علي على صديق له يعوده ، فقال الرجل : إني أريد أن أوصي . فقال له علي : إن الله تعالى يقول { : إن ترك خيرا } ، وإنك إنما تدع شيئا يسيرا ، فدعه لورثتك . واختلف أهل العلم في القدر الذي لا تستحب لمالكه ، فروي عن أحمد : إذا ترك دون الألف لا تستحب الوصية . وعن علي ، أربعمائة دينار . وقال ابن عباس : إذا ترك الميت سبعمائة درهم ، فلا يوصي . وقال : من ترك ستين دينارا ، ما ترك خيرا . وقال طاوس : الخير ثمانون دينارا . وقال النخعي : ألف وخمسمائة . وقال أبو حنيفة : القليل أن يصيب أقل الورثة سهما خمسون درهما . والذي يقوى عندي ، أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة ، فلا تستحب الوصية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله { : أن تترك ورثتك أغنياء ، خير من أن تدعهم عالة } . ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي ، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم ، كان تركه لهم كعطيتهم إياه ، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم ، فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم ، وغناهم وحاجتهم ، فلا يتقيد بقدر من المال . والله أعلم . وقد قال الشعبي : ما من مال أعظم أجرا ، من مال يتركه الرجل لولده ، يغنيهم به عن الناس .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية