الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

                                                                      2332 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا إسمعيل يعني ابن جعفر أخبرني محمد بن أبي حرملة أخبرني كريب أن أم الفضل ابنة الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال قلت رأيته ليلة الجمعة قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه فقلت أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                      التالي السابق


                                                                      أي فما حكمه .

                                                                      ( بعثته ) : أي كريبا ( قال ) : كريب ( حاجتها ) : أي أم الفضل ( فاستهل ) : هو بضم التاء بصيغة المجهول ( قال ) : ابن عباس ( أنت رأيته ) : أي الهلال ( قال ) : ابن عباس [ ص: 365 ] ( أو نراه ) : أي الهلال ( هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : قد تمسك بحديث كريب هذا من قال إنه لا يلزم أهل بلد رؤية أهل بلد غيرها ، ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث هكذا أمرنا ، فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر .

                                                                      قال الخطابي : اختلف الناس في الهلال يستهله أهل بلد في ليلة ثم يستهله أهل بلد آخر في ليلة قبلها أو بعدها ، فذهب إلى ظاهر الحديث ابن عباس والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعكرمة ، وهو مذهب إسحاق بن راهويه وقال لكل قوم رؤيتهم . وقال أكثر الفقهاء : إذا ثبت بخبر الناس أن أهل البلد من البلدان قد رأوه قبلهم فعليهم قضاء ما أفطروه ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل انتهى .

                                                                      وقال في فتح الودود : قوله " هكذا أمرنا " يحتمل أن المراد به أنه أمرنا أن لا نقبل شهادة الواحد في حق الإفطار ، أو أمرنا بأن نعتمد على رؤية أهل بلدنا ولا نعتمد عن رؤية غيرهم وإلى المعنى الثاني تميل ترجمة المصنف ، لكن المعنى الأول محتمل فلا يستقيم الاستدلال إذ الاحتمال يفسد الاستدلال انتهى .

                                                                      وقال الشوكاني في النيل بعد نقل الأقوال : واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله " هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هو قوله " فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين " والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين ، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم انتهى ملخصا .

                                                                      وقال الحافظ في الفتح : وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب أحدها : لأهل كل بلد رؤيتهم ، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له ، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه ، وحكاه [ ص: 366 ] الماوردي وجها للشافعية . ثانيها : مقابله إذا رئي ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية ، لكن حكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه وقال أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس . قال القرطبي : قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم . وقال ابن الماجشون : لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع . وقال بعض الشافعية : إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر ، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي .

                                                                      وفي ضبط البعد أوجه : أحدها : اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب . ثانيها : مسافة القصر ، قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم . ثالثها : اختلاف الأقاليم . رابعها : حكاه السرخسي فقال : يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم . خامسها : قول ابن الماجشون المتقدم انتهى .

                                                                      قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية