الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1808 [ ص: 191 ] ( 5 ) باب ما جاء في أمر الكلاب

                                                                                                                        1813 - مالك عن يزيد بن خصيفة ; أن السائب بن يزيد أخبره : أنه سمع سفيان بن أبي زهير ، وهو رجل من أزد شنوءة ، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يحدث ناسا معه عند باب المسجد ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط " قال : أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : إي ورب هذا المسجد .

                                                                                                                        1814 - مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اقتنى كلبا ، إلا كلبا ضاريا ، أو كلب ماشية ، نقص من عمله كل يوم قيراطان " .

                                                                                                                        [ ص: 192 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 192 ] 40751 - قال أبو عمر وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي لفظه في " التمهيد " .

                                                                                                                        40752 - وفي حديث ابن عمر هذا ، وحديث سفيان بن أبي زهير إباحة اتخاذ الكلاب للصيد ، والزرع ، والماشية ، دون ما عدا ذلك .

                                                                                                                        40753 - ويدخل عندي في معنى الصيد ، والزرع ، والماشية ; جواز اتخاذ الكلاب في البادية جملة ; لأن الأغلب من أمرها الزرع والماشية والصيد ، تجد ذلك في البادية والحاضرة ، والله أعلم .

                                                                                                                        40754 - وروي من حديث يونس ، عن الحسن ، عن عبد الله بن مغفل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اتخذ كلبا ، وليس كلب صيد ، ولا ماشية ، ولا حرث ، نقص من أجره كل يوم قيراط " .

                                                                                                                        [ ص: 193 ] 40755 - قال أبو عمر : الحرث يدخل فيه الكرم والزرع ، ولم يختلف العلماء في تأويل قول الله - عز وجل - وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم [ الأنبياء : 87 ] أنه كان كرما .

                                                                                                                        40756 - وفي معنى الزرع والكرم والغنم عندي ، منافع البادية كلها ، من الطارق وغيره ، والله أعلم .

                                                                                                                        40757 - وقد سئل هشام بن عروة ، عن اتخاذ الكلاب للدار ، فقال : لا بأس به إذا كان موضع الدار مخوفا .

                                                                                                                        40758 - وأجاز مالك اقتناء الكلاب للزرع ، والصيد ، والماشية .

                                                                                                                        40759 - وكان ابن عمر لا يجيز اتخاذ الكلب إلا للصيد والماشية خاصة ، ووقف عند ما سمع ، ولم يبلغه ما روى أبو هريرة ، وسفيان بن أبي زهير ، وابن مغفل ، وغيرهم في ذلك .

                                                                                                                        40760 - وفي هذا الحديث دليل على أن اتخاذ الكلاب ليس بمحرم ، وإن كان ذلك الاتخاذ لغير الزرع والضرع والصيد ; لأن قوله : " من اتخذ كلبا - أو اقتنى كلبا ، لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا ، ولا اتخذه للصيد ، نقص من أجره كل يوم قيراط " يدل على الإباحة ، لا على التحريم ; لأن المحرمات لا يقال فيها : من فعل هذا ، نقص من عمله ، أو من أجره كذا ، بل ينهى عنه ; لئلا يواقع المطيع [ ص: 194 ] شيئا منها .

                                                                                                                        40761 - وإنما يدل ذلك اللفظ على الكراهة ، لا على التحريم ، والله أعلم .

                                                                                                                        40762 - وأما نقصان الأجر ، فإن ذلك - والله أعلم - لما يقع من التفريط في غسل الإناء من ولوغ الكلاب لمن له اتخاذها ، ومن التقصير عن القيام لما يجب عليه في ذلك ; من عدد الغسلات ، وقد يكون لما جاء في الحديث بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ، وقد مضى القول في ذلك .

                                                                                                                        40763 - وقد يكون في التقصير في الإحسان إلى الكلب ; لأنه قانع ناظر إلى يد متخذه ، ففي الإحسان إليه أجر ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " في كل ذي كبد رطبة أجر " وفي الإساءة إليه بتضييقه وزر .

                                                                                                                        40764 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض " .

                                                                                                                        40765 - هذا والهر يفترس ويطلب رزقه ، والكلب ليس كذلك .

                                                                                                                        40766 - وقد يكون لما قال الحسن وغيره .

                                                                                                                        40767 - روى حماد بن يزيد ، عن واصل ، مولى أبي عيينة ، قال : سأل [ ص: 195 ] الحسن رجل ، فقال : يا أبا سعيد ، أرأيت ما ذكر في الكلب ; أنه ينقص من أجر أهله كل يوم قيراط ؟ قال : فذكر ذلك ، فقيل له : مم ذلك يا أبا سعيد ؟ قال : لترويعه المسلم .

                                                                                                                        40768 - وذكر ابن سعد ، عن الأصمعي ، قال : قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد : ما بلغك في الكلب ؟ قال : بلغني أنه من اقتنى كلبا لغير زرع ، ولا حراسة ، نقص من أجره كل يوم قيراط ، قال : ولم ؟ قال هكذا جاء الحديث ، قال : خذها بحقها .

                                                                                                                        40769 - وإنما ذلك ; لأنه ينبح الضيف ، ويروع السائل .




                                                                                                                        الخدمات العلمية