الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 31 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا مات الأجير في أثناء الحج ، فله أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يكون بعد الشروع في الأركان ، وقبل الفراغ منها ، فهل يستحق شيئا من الأجرة ؟ قولان . أظهرهما : يستحق ، وسواء مات بعد الوقوف بعرفة ، أو قبله .

                                                                                                                                                                        هذا هو المذهب . وقيل : يستحق بعده قطعا ، وهو شاذ . فإذا قلنا : يستحق ، فهل يقسط الأجرة على الأعمال فقط ، أم عليها مع السير ؟ قولان . أظهرهما : الثاني . وقال ابن سريج - رحمه الله - : إن قال : استأجرتك لتحج عني ، قسط على العمل فقط . وإن قال : لتحج من بلد كذا ، قسط عليهما ، وحمل القولين على الحالين . ثم هل يبنى على ما فعله الأجير ؟ ينظر ، إن كانت الإجارة على العين ، انفسخت ولا بناء لورثة الأجير ، كما لم يكن له أن ينتسب ، وهل للمستأجر أن يستأجر من يبني ؟ فيه القولان في جواز البناء .

                                                                                                                                                                        وإن كانت على الذمة فإن قلنا : لا يجوز البناء ، فلورثة الأجير أن يستأجروا من يستأنف الحج عن المستأجر له . فإن أمكنهم في تلك السنة لبقاء الوقت ، فذاك ، وإن تأخر إلى السنة الثانية ، ثبت الخيار كما سبق . وإن جوزنا البناء فلورثة الأجير أن يبنوا .

                                                                                                                                                                        ثم القول فيما يحرم به النائب ، وفي حكم إحرامه بين التحللين ، على ما سبق .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يموت بعد الأخذ في السير ، وقبل الإحرام ، فالصحيح المنصوص في كتب الشافعي - رضي الله عنه - والذي قطع به الجماهير : لا يستحق شيئا من الأجرة . وقال الإصطخري ، والصيرفي : يستحق بقسطه . وقال ابن عبدان : [ إن ] قال : استأجرتك لتحج عني ، لم يستحق . وإن قال : لتحج من بلد كذا ، استحق بقسطه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 32 ] الحال الثالث : أن يموت بعد فراغ الأركان ، وقبل فراغ باقي الأعمال ، فينظر إن فات وقتها ، أو لم يفت ، ولكن لم نجوز البناء ، جبر بالدم من مال الأجير ، وهل يرد شيئا من الأجرة ؟ فيه الخلاف السابق .

                                                                                                                                                                        وإن جوزنا البناء ، فإن كانت الإجارة على العين ، انفسخت في الأعمال الباقية ، ووجب رد قسطها من الأجرة ، ويستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ، ولا دم على الأجير . وإن كانت على الذمة ، استأجر وارث الأجير من يرمي ويبيت ، ولا حاجة إلى الإحرام ؛ لأنهما عملان يؤتى بهما بعد التحللين ، ولا يلزم الدم ، ولا رد شيء من الأجرة ، ذكره في " التتمة " .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أحصر الأجير ، فله التحلل . فإن تحلل ، فعمن يقع ما أتى به ؟ وجهان . أصحهما : عن المستأجر ، كما لو مات ، إذ لا تقصير . والثاني : عن الأجير كما لو أفسده . فعلى هذا ، دم الإحصار على الأجير ، وعلى الأول : هو على المستأجر . وفي استحقاقه شيئا من الأجرة ، الخلاف المذكور في الموت .

                                                                                                                                                                        وإن لم يتحلل وأقام على الإحرام حتى فاته الحج ، انقلب إليه ، كما في الإفساد ، ثم يتحلل بعمل عمرة ، وعليه دم الفوات . ولو حصل الفوات بنوم ، أو تأخر عن القافلة ، أو غيرهما من غير إحصار ، انقلب المأتي به إلى الأجير أيضا ، كما في الإفساد ، ولا شيء للأجير على المذهب . وقيل : فيه الخلاف المذكور في الموت .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية