الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا) قال الزجاج: اعتصموا: استمسكوا . فأما الحبل ، ففيه ستة أقوال . أحدها: أنه كتاب الله: القرآن ، رواه شقيق عن ابن مسعود [ ص: 433 ] وبه قال قتادة ، والضحاك ، والسدي . والثاني: أنه الجماعة ، رواه الشعبي عن ابن مسعود . والثالث: أنه دين الله ، قاله ابن عباس ، وابن زيد ، ومقاتل ، وابن قتيبة . وقال ابن زيد: هو الإسلام . والرابع: عهد الله ، قاله مجاهد ، وعطاء ، وقتادة في رواية ، وأبو عبيد ، واحتج له الزجاج بقول الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تجوزها حبال قبيلة أخذت من الأخرى إليك حبالها



                                                                                                                                                                                                                                      وأنشد ابن الأنباري:


                                                                                                                                                                                                                                      فلو حبلا تناول من سليمى     لمد بحبلها حبلا متينا



                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أنه الإخلاص ، قاله أبو العالية ، والسادس: أنه أمر الله وطاعته ، قاله مقاتل بن حيان . قال الزجاج: وقوله: "جميعا" منصوب على الحال ، أي: كونوا مجتمعين على الاعتصام به . وأصل "تفرقوا": تتفرقوا ، إلا أن التاء حذفت لاجتماع حرفين من جنس واحد ، والمحذوفة هي الثانية ، لأن الأولى دليلة على الاستقبال ، فلا يجوز حذف الحرف الذي يدل على الاستقبال ، وهو مجزوم بالنهي ، والأصل: ولا تتفرقون ، فحذفت النون لتدل على الجزم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم) اختلفوا فيمن أريد بهذا الكلام على قولين . أحدهما: أنهم مشركو العرب ، كان القوي يستبيح الضعيف ، قاله الحسن ، وقتادة . والثاني: الأوس والخزرج ، كان بينهم حرب شديد ، قاله ابن إسحاق . والأعداء: جمع عدو . قال ابن فارس: وهو من عدا: إذا ظلم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 434 ] قوله تعالى: (فأصبحتم) أي: صرتم ، قال الزجاج: وأصل الأخ في اللغة أنه الذي مقصده مقصد أخيه ، والعرب تقول: فلان يتوخى مسار فلان ، أي: ما يسره . والشفا: الحرف . واعلم أن هذا مثل ضربه الله لإشرافهم على الهلاك . وقربهم من العذاب ، كأنه قال: كنتم على حرف حفرة من النار ، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا الموت على الكفر . قال السدي: فأنقذكم منها محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية