الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ( 21 ) )

اختلف أهل التأويل في معنى العذاب الأدنى الذي وعد الله أن يذيقه هؤلاء الفسقة ، فقال بعضهم : ذلك مصائب الدنيا في الأنفس والأموال .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس [ ص: 189 ] ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) يقول : مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها مما يبتلي الله بها العباد حتى يتوبوا .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) قال : العذاب الأدنى بلاء الدنيا ، قيل : هي المصائب .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العرني عن ابن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قال : المصيبات في الدنيا قال : والدخان قد مضى ، والبطشة واللزام .

قال أبو موسى : ترك يحيى بن سعيد ، يحيى بن الجزار ، نقصان رجل .

حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر قالا : ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن ابن عروة ، عن الحسن العرني ، عن يحيى بن الجزار ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، أنه قال : في هذه الآية ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : مصيبات الدنيا ، واللزوم والبطشة ، أو الدخان : شك شعبة في البطشة أو الدخان .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عروة ، عن الحسن العرني ، عن يحيى بن الجزار ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، بنحوه ، إلا أنه قال : المصيبات واللزوم والبطشة .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا زيد بن حباب ، عن شعبة ، عن قتادة عن عروة عن الحسن العرني عن يحيى بن الجزار ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب قال : المصيبات يصابون بها في الدنيا : البطشة ، والدخان ، واللزوم .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع عن أبي العالية ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قال : المصائب في الدنيا .

قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : المصيبات في دنياهم وأموالهم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، حدثه ، عن الحسن قوله : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) : أي مصيبات الدنيا . [ ص: 190 ]

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قال : أشياء يصابون بها في الدنيا .

وقال آخرون : عنى بها الحدود .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : الحدود .

وقال آخرون : عنى بها القتل بالسيف ، قال : وقتلوا يوم بدر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قال : يوم بدر .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله مثله .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن مسروق ، عن عبد الله مثله .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا عوف عمن حدثه ، عن الحسن بن علي ، أنه قال : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : القتل بالسيف صبرا .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا عبد الأعلى ، عن عوف ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : القتل بالسيف ، كل شيء وعد الله هذه الأمة من العذاب الأدنى إنما هو السيف .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : القتل والجوع لقريش في الدنيا .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان مجاهد يحدث [ ص: 191 ] عن أبي بن كعب أنه كان يقول : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) يوم بدر .

وقال آخرون : عنى بذلك سنون أصابتهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : سنون أصابتهم .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله .

وقال آخرون : عنى بذلك : عذاب القبر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمارة قال : ثنا عبيد الله قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) قال : الأدنى في القبور وعذاب الدنيا .

وقال آخرون : ذلك عذاب الدنيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قال : العذاب الأدنى : عذاب الدنيا .

وأولى الأقوال في ذلك أن يقال : إن الله وعد هؤلاء الفسقة المكذبين بوعيده في الدنيا العذاب الأدنى ، أن يذيقهموه دون العذاب الأكبر ، والعذاب : هو ما كان في الدنيا من بلاء أصابهم ، إما شدة من مجاعة ، أو قتل ، أو مصائب يصابون بها ، فكل ذلك من العذاب الأدنى ، ولم يخصص الله - تعالى ذكره - ، إذ وعدهم ذلك أن يعذبهم بنوع من ذلك دون نوع ، وقد عذبهم بكل ذلك في الدنيا بالقتل والجوع والشدائد والمصائب في الأموال ، فأوفى لهم بما وعدهم .

وقوله : ( دون العذاب الأكبر ) يقول : قيل العذاب الأكبر ، وذلك عذاب يوم القيامة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 192 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ( دون العذاب الأكبر ) قال : يوم القيامة .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن مسروق ، عن عبد الله مثله .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( دون العذاب الأكبر ) يوم القيامة في الآخرة .

حدثني محمد بن عمارة قال : ثنا عبيد الله قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ( دون العذاب الأكبر ) يوم القيامة .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( دون العذاب الأكبر ) يوم القيامة حدث به قتادة ، عن الحسن .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( دون العذاب الأكبر ) قال : العذاب الأكبر : عذاب الآخرة .

وقوله : ( لعلهم يرجعون ) يقول : كي يرجعوا ويتوبوا بتعذيبهم العذاب الأدنى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ( لعلهم يرجعون ) قال : يتوبون .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ( لعلهم يرجعون ) قال : يتوبون .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لعلهم يرجعون ) : أي يتوبون .

التالي السابق


الخدمات العلمية