الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( 23 ) وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( 24 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ولقد آتينا موسى التوراة ، كما آتيناك الفرقان يا محمد ( فلا تكن في مرية من لقائه ) يقول : فلا تكن في شك من لقائه ، فكان قتادة يقول : معنى ذلك : فلا تكن في شك من أنك لقيته ، أو تلقاه ليلة أسري بك ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله [ ص: 194 ]

- صلى الله عليه وسلم - . حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة عن أبي العالية الرياحي قال : حدثنا ابن عم نبيكم - يعني : ابن عباس - قال : قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : " أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال " في آيات أراهن الله إياه ، ( فلا تكن في مرية من لقائه ) أنه قد رأى موسى ، ولقي موسى ليلة أسري به .

وقوله : ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) يقول - تعالى ذكره - : وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل ، يعني : رشادا لهم يرشدون باتباعه ، ويصيبون الحق بالاقتداء به ، والائتمام بقوله .

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) قال : جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل .

وقوله : ( وجعلنا منهم أئمة ) يقول - تعالى ذكره - : وجعلنا من بني إسرائيل أئمة ، وهي جمع إمام ، والإمام الذي يؤتم به في خير أو شر ، وأريد بذلك في هذا الموضع أنه جعل منهم قادة في الخير ، يؤتم بهم ، ويهتدى بهديهم .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ) قال : رؤساء في الخير . وقوله : ( يهدون بأمرنا ) يقول - تعالى ذكره - : يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذننا لهم بذلك ، وتقويتنا إياهم عليه .

وقوله : ( لما صبروا ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ، وبعض أهل الكوفة ( لما صبروا ) بفتح اللام وتشديد الميم ، بمعنى : إذ صبروا ، وحين صبروا ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( لما ) بكسر اللام وتخفيف الميم بمعنى : لصبرهم عن الدنيا وشهواتها ، واجتهادهم في طاعتنا ، والعمل بأمرنا ، وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود ( بما صبروا ) وما إذا كسرت اللام من ( لما ) في موضع خفض ، وإذا فتحت اللام وشددت الميم ، فلا موضع لها ، لأنها حينئذ أداة . [ ص: 195 ]

والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما عامة من القراء فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وتأويل الكلام إذا قرئ ذلك بفتح اللام وتشديد الميم ، وجعلنا منهم أئمة يهدون أتباعهم بإذننا إياهم ، وتقويتنا إياهم على الهداية ، إذ صبروا على طاعتنا ، وعزفوا أنفسهم عن لذات الدنيا وشهواتها . وإذا قرئ بكسر اللام على ما قد وصفنا .

وقد حدثنا ابن وكيع قال : قال أبي ، سمعنا في ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) قال : عن الدنيا .

وقوله : ( وكانوا بآياتنا يوقنون ) يقول : وكانوا أهل يقين بما دلهم عليه حججنا ، وأهل تصديق بما تبين لهم من الحق ، وإيمان برسلنا ، وآيات كتابنا وتنزيلنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية