الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وبهذا أقول ، والبقر كالإبل لأنهما يردان المياه وإن تباعدت ، ويعيشان أكثر عيشهما بلا راع ، فليس له أن يعرض لواحد منهما ، والمال والشاة لا يدفعان عن أنفسهما ، فإن وجدهما في مهلكة فله أكلهما وغرمهما إذا جاء صاحبهما . ( وقال ) فيما وضعه بخطه - لا أعلمه بسمع منه - : والخيل والبغال والحمير كالبعير : لأن كلها قوي ممتنع من صغار السباع بعيد الأثر في الأرض ، ومثلها الظبي للرجل والأرنب والطائر لبعده في الأرض وامتناعه في السرعة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن ضوال الحيوان إذا وجدت لم يخل حالها من أحد أمرين : إما أن توجد في مصر ، أو في صحراء ، فإن وجدت في مصر فيأتي ، وإن وجدت في صحراء فعلى ضربين : أحدهما أن تكون مما يصل بنفسه إلى الماء والرعي ويدفع عن نفسه صغار السباع ، [ ص: 6 ] إما لقوة جسمه كالإبل ، والبقر ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، وإما لبعد أثره كالغزال ، والأرنب ، والطير ، فبهذا النوع لا يجوز لواجده أن يتعرض لأخذه إذا لم يعرف مالكه : لقوله - صلى الله عليه وسلم - في ضوال الإبل : ما لك ولها ؟ معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر ، ذرها حتى تلقى ربها ، ولأنها تحفظ أنفسها ، فلم يكن لصاحبها حظ في أخذها ، فإن أخذها لم يخل من أحد أمرين : إما أن يأخذها لقطة ليمتلكها إن لم يأت صاحبها ، فهذا متعد وعليه ضمانها ، فإن أرسلها لم يسقط الضمان . وقال أبو حنيفة ومالك : قد سقط الضمان عنه بالإرسال بناء على من تعدى في وديعة ثم كف عن التعدي ، فعندهما يسقط الضمان عنه ، وعندنا لا يسقط ، فإن لم يرسلها ولكن دفعها إلى مالكها فقد سقط عنه ضمانها بأدائها إلى مستحقها ، وإن دفعها إلى الحاكم عند تعذر المالك ففي سقوط الضمان وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : قد سقط : لأن الحاكم نائب عمن غاب ، والثاني لا يسقط : لأنها قد تكون لحاضر لا يولى عليه .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : ألا يأخذها لقطة ولكن يأخذها حفظا على مالكها ، فإن كان عارفا بمالكها لم يضمن ويده يد أمانة حتى تصل إلى المالك ، وإن كان غير عارف للمالك ففي وجوب الضمان وجهان : أحدهما لا ضمان : لأنه من التعاون على البر والتقوى ، والوجه الثاني : عليه الضمان : لأنه لا ولاية له على غائب . فإن كان واليا كالإمام أو الحاكم فلا ضمان عليه ، فقد روي أن عمر - رضي الله عنه - كانت له حظيرة يحظر فيها ضوال الإبل ، فهذا حكم أحد الضربين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية