الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        حجة الإسلام في حق من يتأهل لها تقدم على حجة القضاء .

                                                                                                                                                                        وصورة اجتماعهما أن يفسد العبد حجه ، ثم يعتق فعليه القضاء ، ولا تجزئه عن حجة الإسلام . وتقدم أيضا حجة الإسلام على النذر . فلو اجتمعت حجة الإسلام ، والقضاء ، والنذر ، قدمت حجة الإسلام ، ثم القضاء ، ثم النذر . وأشار الإمام إلى تردد في تقديم القضاء على النذر .

                                                                                                                                                                        والمذهب : ما قدمناه . ومن عليه حجة الإسلام ، أو قضاء ، أو نذر لا يجوز أن يحج عن غيره . فلو قدم ما يجب تأخيره لغت نيته ، ووقع على الترتيب المذكور .

                                                                                                                                                                        والعمرة ، إذا أوجبناها ، كالحج في جميع ذلك . ولو استأجر المعضوب من يحج عن نذره ، وعليه حجة الإسلام ، فنوى الأجير النذر ، وقع عن حجة الإسلام . ولو استأجر أجيرا لم يحج عن نفسه ، فنوى الحج عن المستأجر ، لغت نيته ، ووقع الحج عن الأجير . ولو نذر من لم يحج أن يحج في هذه السنة ، ففعل ، وقع عن حجة الإسلام ، وخرج عن نذره ، وليس في نذره إلا تعجيل ما كان له [ ص: 35 ] تأخيره .

                                                                                                                                                                        ولو استؤجر من لم يحج للحج في الذمة جاز ، وطريقه : أن يحج عن نفسه ، ثم عن المستأجر . وإجارة العين باطلة ؛ لأنها تتعين للسنة الأولى . فإذا بطلت نظر إن ظنه حج فبان أنه لم يحج ، لم يستحق أجره ، لتغريره ، وإن علم أنه لم يحج وقال : يجوز في اعتقادي أن يحج عن غيره من لم يحج ، فحج الأجير وقع عن نفسه . وفي استحقاقه أجرة المثل قولان ، أو وجهان تقدمت نظائرهما . أما إذا استأجر للحج من حج ولم يعتمر ، أو للعمرة من اعتمر ولم يحج ، فقرن الأجير وأحرم بالنسكين عن المستأجر ، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر ، وبالآخر عن نفسه ، فقولان . الجديد : أنهما يقعان عن الأجير ؛ لأن نسكي القران لا يفترقان لاتحاد الإحرام ، ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه .

                                                                                                                                                                        والثاني : أن ما استؤجر له يقع عن المستأجر ، والآخر عن الأجير . ولو استأجر رجلان شخصا ، أحدهما : ليحج عنه ، والآخر ليعتمر عنه ، فقرن عنهما ، فعلى الجديد : يقعان عن الأجير .

                                                                                                                                                                        وعلى الثاني : يقع عن كل واحد ما استأجر له . ولو استأجر المعضأحروب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة ، أحدهما حجة الإسلام ، والآخر حجة قضاء أو نذر ، فوجهان . أصحهما : يجوز وهو المنصوص في " الأم " ؛ لأن غير حجة الإسلام لم تتقدم عليها .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يجوز . فعلى الثاني : إن أحرم الأجيران معا ، انصرف إحرامهما إلى أنفسهما . وإن سبق إحرام أحدهما وقع ذلك عن حجة الإسلام عن المستأجر ، وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 36 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو أحرم الأجير عن المستأجر ، ثم نذر حجا ، نظر إن نذره بعد الوقوف ، لم ينصرف حجه إليه ، بل يقع عن المستأجر . وإن نذر قبله فوجهان . أصحهما : انصرافه إلى الأجير . ولو أحرم الرجل بحج تطوع ، ثم نذر حجا بعد الوقوف ، لم ينصرف إليه . وقبل الوقوف ، على الوجهين .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة ، فأحرم الأجير عن نفسه تطوعا ، فوجهان . قال الشيخ أبو محمد : ينصرف إلى المستأجر . وقال سائر الأصحاب : يقع تطوعا للأجير .

                                                                                                                                                                        قلت : لو حج بمال مغصوب أو نحوه ، أجزأه الحج وإن كان عاصيا بالغصب . ولو كان يجن ويفيق ، فإن كانت مدة إفاقته يتمكن فيها من الحج ، ووجدت الشرائط الباقية ، وجب عليه الحج ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        وإذا كان عليه دين حال لا يفضل عنه ما يحج به ، فقال صاحب الدين ، أمهلتك به إلى ما بعد الحج ، لم يلزمه الحج . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية