الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 226 ] وابتداء عدة النكاح الفاسد عقيب التفريق أو عزمه على ترك الوطء ( ز ) ، وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة وأخرى ويتداخلان ، فإن حاضت حيضة ثم وطئت كملها بثلاث أخر ، وأقل مدة العدة شهران ( سم ) ، ولا ينبغي أن تخطب المعتدة ، ولا بأس بالتعريض .

[ ص: 226 ]

التالي السابق


[ ص: 226 ] فصل

[ الأقراء ]

الأقراء : الحيض ، وهو قول أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وابن الصامت ، وجماعة من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين . وقال زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم : إنها الأطهار ، وحاصله أن اسم القرء يقع على الحيض والطهر جميعا لغة حقيقة ، يقال : أقرأت المرأة : إذا حاضت ، وأقرأت : إذا طهرت ، وأصله الوقت لمجيء الشيء وذهابه ، يقال : رجع فلان لقرئه : أي لوقته الذي يرجع فيه .

وثمرة الخلاف تظهر في انقضاء العدة ، فمن قال إنها الحيض يقول : لا تنقضي إلا باستكمال ثلاث حيض ، ومن قال إنها الأطهار يقول : إذا شرعت في الحيضة الثالثة انقضت العدة ، والحمل على الحيض أولى بالنص والمعقول . أما النص فقوله عليه الصلاة والسلام للمستحاضة : " دعي الصلاة أيام أقرائك " ، وإنما تترك الصلاة أيام الحيض بالإجماع ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " عدة الأمة حيضتان " ، والمعقول أنه ذكره بلفظ الجمع ، فمن قال إنه للحيض قال : لا بد من ثلاث حيض فيتحقق الجمع ، ومن قال إنه الأطهار لا يتحقق الجمع على قوله ، لأن الطلاق لو وقع في آخر الطهر انقضت العدة بطهرين آخرين وبالشروع في الثالث فلا يوجد الجمع ، والعمل بما يوافق لفظ النص أولى .

قال : ( وابتداء عدة الطلاق عقيبه والوفاة عقيبها وتنقضي بمضي المدة وإن لم تعلم بهما ) لأن الطلاق والوفاة هو السبب فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب ، وإن أقر أنه طلق امرأته من وقت كذا فكذبته أو قالت لا أدري وجبت العدة من وقت الإقرار ويجعل هذا إنشاء احتياطا ، وإن صدقته فمن وقت الطلاق . واختيار المشايخ أنه يجب من وقت الإقرار تحرزا عن المواضعة وزجرا له عن كتمان طلاقها لأنه يصير مسببا لوقوعها في المحرم ولا تجب لها نفقة العدة ، ولها أن تأخذ منه مهرا ثانيا إن وجد الدخول من وقت الطلاق إلى وقت الإقرار لأنه أقر بذلك وقد صدقته .

[ ص: 207 ] قال : ( وابتداء عدة النكاح الفاسد عقيب التفريق أو عزمه على ترك الوطء ) ، وقال زفر : من آخر الوطئات لأن الوطء هو الموجب للعدة . ولنا أن التمكين من الوطء على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه فيجعل واطئا حكما إلى حالة التفريق أو عزم الترك فتجب العدة من حين انقطاع الوطء حقيقة وشرعا أخذا بالاحتياط .

قال : ( وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة أخرى ) لوجود السبب ( ويتداخلان ، فإن حاضت حيضة ثم وطئت كملتها بثلاث أخر ) ، وتحسب حيضتان من العدتين وتكمل الأولى والثالثة تتمة للثانية ، لأن المقصود من العدة التعرف عن براءة الرحم ، وأنه حاصل بالعدة الواحدة لأنه لا بد من ثلاث حيض بعد الوطء الثاني وبه تتعرف براءة الرحم ، وللثاني أن يتزوجها بعد استكمال الأولى لأنها في عدته ، ولو وطئت المعتدة عن وفاة تممتها ، وما تراه من الحيض فيها يحتسب من الثانية ، فإن استكملت فيها ثلاث حيض فقد انقضتا معا وإلا تممت الثانية بما بقي من حيضها لما بينا .

قال : ( وأقل مدة العدة شهران ) أي مدة تنقضي فيها ثلاث حيض . وقالا : أقلها تسعة وثلاثون يوما وثلاث ساعات لأنهما يعتبران أقل مدة الحيض وهي ثلاثة أيام ، وأقل الطهر وهو خمسة عشر يوما ، ثم يقدر أن وقوع الطلاق قبل أوان الحيض بساعة فثلاثة أيام حيض ، وخمسة عشر طهر ، ثم ثلاثة حيض ، ثم خمسة عشر طهر ، ثم ثلاثة حيض فكملت العدة . وأبو حنيفة يخرجه من طريقين ، أحدهما : يعتبر أكثر الحيض احتياطا ، فيبدأ بالحيض عشرة ، ثم خمسة عشر طهر ، ثم عشرة حيض ، ثم خمسة عشر طهر ، ثم عشرة حيض فذلك ستون يوما ، وهذه رواية محمد ، والآخر وهو رواية الحسن بن زياد أنه يعتبر الوسط من الحيض وهو خمسة أيام ، ويجعل مبدأ الطلاق في أول الطهر عملا بالسنة ، فخمسة عشر يوما طهر وخمسة حيض ، هكذا ثلاث مرات يكون ستين يوما ، والأمة تصدق عندهما في أحد وعشرين يوما ، ستة أيام حيضتان ، وخمسة عشر يوما طهر بينهما . وعند أبي حنيفة على رواية الحسن أربعين يوما ، وعلى رواية محمد خمسة وثلاثين .

ولو كانت حاملا وقد علق طلاقها بالولادة ، فعلى قياس رواية محمد عن أبي حنيفة لا يصدق في أقل من خمسة وثمانين يوما ، وعلى قياس رواية الحسن مائة يوم ، وعلى قياس قول أبي يوسف خمسة وستون ، وفي الأمة على رواية محمد خمسة وستون ، ورواية الحسن خمسة [ ص: 228 ] وسبعون ، وعن أبي يوسف سبعة وأربعون ، وعن محمد ستة وثلاثون وثلاث ساعات ، ويعرف ذلك لمن يتأمله بتوفيق الله تعالى .

ثم إن وقع الطلاق للآيسة والصغيرة أو الموت غرة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلة بالإجماع وإن نقص عددها ، وإن وقع ذلك في وسط الشهر تعتبر بالأيام فتعتد في الطلاق بتسعين يوما ، وفي الوفاة مائة وثلاثين يوما وهو رواية عن أبي يوسف ، وروي عنه وهو قول محمد : تعتد بقية الشهر بالأيام وتكمله من الشهر الرابع ، وتعتد بشهرين فيما بينهما بالأهلة ، لأن الأصل اعتبار الشهور بالأهلة إلا عند التعذر ، وقد تعذر في الأول فيعمل فيه بالأيام لأنها كالبدل عن الأهلة ، ويعمل في الباقي بالأصل . ولأبي حنيفة أنه لا يدخل الشهر الثاني ولا يعد إلا بعد انقضاء الأول ، ولا انقضاء للأول إلا بعد استكماله فيكمل الأول من الثاني ، وهكذا الثاني مع الثالث فتعذر اعتبار الأهلة في الكل ، وعلى هذا مدة الإيلاء واليمين إذا حلف لا يفعل كذا سنة والإجارات ونحوها .

وإذا قالت : انقضت عدتي صدقت لأنها أمينة فإن كذبها الزوج حلفت كالمودع .

واختلف أصحابنا في حد الإياس ، قال بعضهم : يعتبر بأقرانها من قرابتها ، وقيل يعتبر بتركيبها لأنه يختلف بالسمن والهزال . وعن محمد أنه قدره بستين سنة . وعنه في الروميات بخمس وخمسين ، وفي المولدات ستين ، وقيل خمسين سنة ، والفتوى على خمس وخمسين من غير فصل وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة ، وعنه أيضا ما بين خمس وخمسين إلى ستين . وذكر محمد في نوادر الصلاة : العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة الحيض فهو حيض إذا لم يكن عن آفة . وقال محمد بن مقاتل الرازي : هذا إذا لم يحكم بإياسها ، فأما إذا حكم بإياسها ثم رأت الدم لا يكون حيضا وهو الصحيح .

والمرأة إذا لم تحض أبدا حتى بلغت مبلغا لا يحيض فيه أمثالها غالبا حكم بإياسها . وذكر في الجامع الصغير : إذا بلغت ثلاثين سنة ولم تحض حكم بإياسها .

قال : ( ولا ينبغي أن تخطب المعتدة ) لقوله تعالى : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ) المراد به المعتدات بالإجماع ، لأن الله تعالى نفى الجناح في التعريض وأنه يدل على أن تركه أولى فيلزم كراهة التصريح بطريق الأولى .

[ ص: 229 ] ( ولا بأس بالتعريض ) لأنه تعالى نفى الجناح فإنه دليل الإباحة . وروي : " أنه عليه الصلاة والسلام دخل على أم سلمة وهي في العدة فذكر منزلته من الله تعالى وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير على يده من شدة تحامله عليها " وأنه تعريض .

والتعريض مثل أن يقول : إني فيك لراغب ، وأود أن أتزوجك ، وإن تزوجتك لأحسنن إليك ، ومثلك من يرغب فيه ويصلح للرجال ونحوه . وعن النخعي لا بأس بأن يهدي إليها ويقوم بشغلها في العدة إن كانت من شأنه ، والتصريح قوله : أنكحك ، وأتزوج بك ونحوه . وأنه مكروه ، قال تعالى : ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) قال عليه الصلاة والسلام : " السر النكاح " ، وهذا كله في المبتوتة والمتوفى عنها زوجها . أما المطلقة الرجعية فلا يجوز التصريح ولا التلويح لأن نكاح الأول قائم على ما بينا .




الخدمات العلمية