الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثالث : في مخصصاته .

                                                                                                                وهي خمسة عشر ، ويجوز عند مالك - رحمه الله - وعند أصحابه تخصيصه بالعقل خلافا لقوم كقوله تعالى : ( الله خالق كل شيء ) . خصص العقل ذات [ ص: 90 ] الله وصفاته ، وبالإجماع والكتاب بالكتاب خلافا لبعض أهل الظاهر ، وبالقياس الجلي ، والخفي للكتاب ، والسنة المتواترة ، ووافقنا الشافعي ، وأبو حنيفة ، والأشعري ، وأبو الحسين البصري ، وخالفنا الجبائي ، وأبو هاشم مطلقا ، وقال عيسى بن أبان : إن خص قبله بدليل مقطوع جاز ، وإلا فلا ، وقال الكرخي إن خص قبله بدليل منفصل جاز ، وإلا فلا ، وقال ابن سريج ، وكثير من الشافعية يجوز بالجلي دون الخفي ، واختلف في الجلي والخفي ، فقيل الجلي قياس المعنى ، والخفي قياس الشبه ، وقيل الجلي ما تفهم علته كقوله صلى الله عليه وسلم : لا يقض القاضي وهو غضبان ، وقيل ما ينقض القضاء بخلافه ، وقال الغزالي : إن استويا توقفنا ، وإلا طلبنا الترجيح ، وتوقف القاضي أبو بكر ، وإمام الحرمين ، وهذا إذا كان أصل القياس متواترا ، فإن كان خبر واحد كان الخلاف أقوى . لنا : اقتضاء النصوص تابع للحكم ، والقياس مشتمل على الحكم ، فيقدم ، ويجوز عندنا تخصيص السنة المتواترة بالسنة المتواترة ، وتخصيص الكتاب بالسنة المتواترة كانت قولا أو فعلا خلافا لبعض الشافعية ، ويجوز عندنا وعند الشافعي ، وأبي حنيفة تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، وفصل ابن أبان والكرخي كما تقدم ، وقيل لا يجوز مطلقا ، وتوقف القاضي فيه ، وعندنا يخصص فعله صلى الله عليه وسلم وإقراره الكتاب والسنة ، وفصل الإمام فخر الدين فقال : إن تناوله العام كان الفعل مخصصا له ولغيره إن علم بدليل أن حكمه كحكمه لكن المخصص فعله مع ذلك الدليل ، وكذلك إذا كان العام متناولا لأمته فقط ، وعلم بدليل أن حكمه حكم أمته ، وكذلك الإقرار مخصص للشخص المسكوت عنه لما خالف العموم ، ومخصص لغيره إن علم أن حكمه على الواحد حكم على الكل ، وعندنا العوائد مخصصة للعموم . قال الإمام : إن علم [ ص: 91 ] وجودها في زمن الخطاب ، وهو متجه ، وعندنا يخصص الشرط والاستثناء العموم مطلقا ، ونص الإمام على الغاية والصفة ، وقال : إن تعقبت الصفة حملا جرى فيها الخلاف الجاري في الاستثناء والغاية حتى وإلى ، فإن اجتمع غايتان كما لو قال : لا تقربوهن حتى يطهرن حتى يغتسلن . قال الإمام : فالغاية هي في الحقيقة الثانية ، والأولى سميت غاية لقربها منها ، ونص على الحس قوله تعالى : ( تدمر كل شيء ) . قال : وفي المفهوم نظر ، وإن قلنا إنه حجة لكونه أضعف من المنطوق . لنا : في سائر صور النزاع أن ما يدعى أنه مخصص لا بد وأن يكون منافيا وأخص من المخصص ، فإن أعملا أو ألغيا اجتمع النقيضان ، وإن أعمل العام مطلقا بطلت جملة الخاص بخلاف العكس فيتعين ، وهو المطلوب .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية