الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [ 115 ] وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين

                                                                                                                                                                                                                                      وما يفعلوا من خير فلن يكفروه أي : لن يعدموا ثوابه . وإيثار صيغة المجهول للجري على سنن الكبرياء . وقرئ الفعلان بالخطاب : والله عليم بالمتقين فيوفيهم أجورهم وهؤلاء الموصوفون هم المذكورون في آخر السورة وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنـزل إليكم وما أنـزل إليهم خاشعين لله الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                                      قال البقاعي : أرشد السياق إلى أن التقدير : وأكثرهم ليسوا بهذه الصفات . وقال الرازي : لما قال تعالى : من أهل الكتاب أمة قائمة كان تمام الكلام أن يقال : ومنهم [ ص: 944 ] أمة مذمومة . إلا أنه أضمر ذكر الأمة المذمومة على مذهب العرب من أن ذكر أحد الضدين يغني عن ذكر الضد الآخر . وتحقيقه : أن الضدين يعلمان معا . فذكر أحدهما يستقل بإفادة العلم بهما ، فلا جرم يحسن إهمال الضد الآخر ، قال أبو ذؤيب :


                                                                                                                                                                                                                                      دعاني إليها القلب إني لأمره مطيع فما أدري أرشد طلابها



                                                                                                                                                                                                                                      أراد : أم غي ، فاكتفى بذكر الرشد عن الغي ، وهذا قول الفراء وابن الأنباري . وقال الزجاج : لا حاجة إلى إضمار الأمة المذمومة لأن ذكرها قد جرى قبل ، ولأنا قد ذكرنا أن العلم بالضدين معا ، فذكر أحدهما مغن عن ذكر الآخر . كما يقال زيد وعمرو لا يستويان ، زيد عاقل دين ذكي ، فيغني هذا عن أن يقال : وعمرو ليس كذلك . فكذا ههنا . لما تقدم قوله : ليسوا سواء . أغنى عن ذلك الإضمار - انتهى ملخصا - أقول : لا مانع من كون الآية الآتية هي الشق الثاني المقابل للأول . فإن عنوان الذين كفروا مقابل بمفهومه لما قبله كما لا يخفى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية