الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( 41 ) وسبحوه بكرة وأصيلا ( 42 ) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ( 43 ) تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ( 44 ) )

يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكرا كثيرا ، فلا تخلو أبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم ذلك ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) يقول : صلوا له غدوة صلاة الصبح ، وعشيا صلاة العصر . وقوله ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) يقول - تعالى ذكره - : ربكم الذي تذكرونه الذكر الكثير وتسبحونه بكرة وأصيلا إذا أنتم فعلتم ذلك ، الذي يرحمكم ، ويثني عليكم هو ويدعو لكم ملائكته . وقيل : إن معنى قوله ( يصلي عليكم وملائكته ) : يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد الله . وقوله ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) يقول : تدعو ملائكة الله [ ص: 280 ] لكم ؛ فيخرجكم الله من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان .

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله ( اذكروا الله ذكرا كثيرا ) يقول : لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، قال ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) بالليل والنهار في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال . وقال : ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) فإذا فعلتم ذلك ؛ صلى عليكم هو وملائكته ، قال الله عز وجل : ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) صلاة الغداة ، وصلاة العصر .

وقوله ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) أي : من الضلالات إلى الهدى .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) قال : من الضلالة إلى الهدى ، قال : والضلالة : الظلمات والنور : الهدى .

وقوله ( وكان بالمؤمنين رحيما ) يقول - تعالى ذكره - : وكان بالمؤمنين به ورسوله ذا رحمة أن يعذبهم وهم له مطيعون ، ولأمره متبعون ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) يقول جل ثناؤه : تحية هؤلاء المؤمنين يوم القيامة في الجنة سلام ، يقول بعضهم لبعض : أمنة لنا ولكم بدخولنا هذا المدخل من الله أن يعذبنا بالنار أبدا .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : قوله [ ص: 281 ] ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) قال : تحية أهل الجنة السلام .

وقوله : ( وأعد لهم أجرا كريما ) يقول : وأعد لهؤلاء المؤمنين ثوابا لهم على طاعتهم إياه في الدنيا ، كريما ، وذلك هو الجنة .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأعد لهم أجرا كريما ) أي : الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية