الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 397 ] سورة ن

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      402 آ. (1) قوله: ن : كقوله: ص والقرآن وجواب القسم الجملة المنفية بعدها. وزعم قوم أنه اسم لحوت وأنه واحد النينان. وقوم أنه اسم الدواة، وقوم أنه اسم لوح مكتوب فيه. قال الزمخشري : "وأما قولهم هو الدواة فما أدري: أهو وضع لغوي أم شرعي، ولا يخلو إذا كان اسما للدواة من أن يكون جنسا أو علما، فإن كان جنسا فأين الإعراب والتنوين؟ وإن كان علما فأين الإعراب؟ وأيهما كان فلا بد له من موقع في تأليف الكلام; لأنك إذا جعلته مقسما به وجب إن كان جنسا أن تجره وتنونه، ويكون القسم بدواة منكرة مجهولة، كأنه قيل: ودواة والقلم، وإن كان علما أن تصرفه وتجره، أو لا تصرفه وتفتحه للعلمية والتأنيث، وكذلك التفسير بالحوت: إما أن يراد به نون من النينان، أو يجعل علما للبهموت الذي يزعمون، والتفسير باللوح من نور أو ذهب والنهر في الجنة نحو ذلك". وهذا الذي أورده أبو القاسم من محاسن علم الإعراب، وقل من يتقنه. [ ص: 398 ] وقرأ العامة: "ن" ساكن النون كنظائره. وأدغم ابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم بلا خلاف، وورش بخلاف عنه النون في الواو، وأظهرها الباقون، ونقل عمن أدغم الغنة وعدمها. وقرأ ابن عباس والحسن وأبو السمال وابن أبي إسحاق بكسر النون، وسعيد بن جبير وعيسى بخلاف عنه بفتحها، فالأولى على التقاء الساكنين. ولا يجوز أن يكون مجرورا على القسم، حذف حرف الجر وبقي عمله كقولهم: "الله لأفعلن" لوجهين، أحدهما: أنه مختص بالجلالة المعظمة، نادر فيما عداها. والثاني: أنه كان ينبغي أن ينون. ولا يحسن أن يقال: هو ممنوع الصرف اعتبارا بتأنيث السورة، لأنه كان ينبغي أن لا يظهر فيه الجر بالكسرة البتة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الفتح فيحتمل ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون بناء، وأوثر على الأصل للخفة كأين وكيف. الثاني: أن يكون مجرورا بحرف القسم المقدر على لغة ضعيفة. وقد تقدم ذلك في قراءة "فالحق والحق". بجر "الحق"، ومنعت الصرف، اعتبار بالسورة، والثالث: أن يكون منصوبا بفعل محذوف، أي: اقرؤوا نون، ثم ابتدأ قسما بقوله "والقلم"، أو يكون منصوبا بعد حذف حرف القسم كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 399 ]

                                                                                                                                                                                                                                      4290 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فذاك أمانة الله الثريد



                                                                                                                                                                                                                                      ومنع الصرف لما تقدم، وهذا أحسن لعطف "والقلم" على محله.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما يسطرون : "ما" موصولة اسمية أو حرفية، أي: والذي يسطرونه من الكتب، وهم: الكتاب أو الحفظة من الملائكة وسطرهم. والضمير عائد على من يسطر لدلالة السياق عليه. ولذكر الآلة المكتتب بها. وقال الزمخشري : "ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه، فيكون الضمير في "يسطرون" لهم"، يعني فيصير، كقوله: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه تقديره: أو كذي ظلمات، فالضمير في "يغشاه" يعود على "ذي" المحذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية