الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ( 57 ) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( 58 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ( إن الذين يؤذون الله ) إن الذين يؤذون ربهم بمعصيتهم إياه ، وركوبهم ما حرم عليهم ، وقد قيل : إنه عنى بذلك أصحاب التصاوير ; وذلك أنهم يرومون تكوين خلق مثل خلق الله .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد القرشي قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سلمة بن الحجاج ، عن عكرمة قال : الذين يؤذون الله ورسوله هم أصحاب التصاوير .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) قال : يا سبحان الله ! ما زال أناس من جهلة بني آدم حتى تعاطوا أذى ربهم ، وأما أذاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو طعنهم عليه في نكاحه صفية بنت حيي فيما ذكر .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، [ ص: 323 ] عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) قال : نزلت في الذين طعنوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - حين اتخذ صفية بنت حيي بن أخطب .

وقوله ( لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) يقول - تعالى ذكره - : أبعدهم الله من رحمته في الدنيا والآخرة وأعد لهم في الآخرة عذابا يهينهم فيه بالخلود فيه .

وقوله ( والذين يؤذون المؤمنين ) كان مجاهد يوجه معنى قوله ( يؤذون ) إلى يقفون .

ذكر الرواية عنه :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( والذين يؤذون ) قال : يقفون .

فمعنى الكلام على ما قال مجاهد : والذين يقفون المؤمنين والمؤمنات . ويعيبونهم طلبا لشينهم ( بغير ما اكتسبوا ) يقول : بغير ما عملوا .

كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( بغير ما اكتسبوا ) قال : عملوا .

حدثنا نصر بن علي قال : ثنا عثام بن علي ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : قرأ ابن عمر : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) قال : فكيف إذا أوذي بالمعروف ، فذلك يضاعف له العذاب .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا عثام بن علي ، عن الأعمش ، عن ثور ، عن ابن عمر ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ) قال : كيف بالذي يأتي إليهم المعروف .

[ ص: 324 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) فإياكم وأذى المؤمن ، فإن الله يحوطه ، ويغضب له .

وقوله ( فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) يقول : فقد احتملوا زورا وكذبا وفرية شنيعة ، وبهتان : أفحش الكذب ، ( وإثما مبينا ) يقول : وإثما يبين لسامعه أنه إثم وزور .

التالي السابق


الخدمات العلمية