الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل

                                                                                                          2112 حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة وابن نمير ووكيع عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب وقال بعضهم عن عبد الله بن وهب عن تميم الداري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يدي رجل من المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أولى الناس بمحياه ومماته قال أبو عيسى هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن وهب ويقال ابن موهب عن تميم الداري وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن وهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب ولا يصح رواه يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر وزاد فيه قبيصة بن ذؤيب والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو عندي ليس بمتصل وقال بعضهم يجعل ميراثه في بيت المال وهو قول الشافعي واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ) بن مروان الأموي المدني نزيل الكوفة ، صدوق يخطئ من السابعة ( عن عبد الله بن موهب ) قال في التقريب : عبد الله بن موهب الشامي أبو خالد قاضي فلسطين لعمر بن عبد العزيز ، ثقة لكن لم يسمع من تميم الداري من الثالثة ( وقال بعضهم عن عبد الله بن وهب ) قال في التقريب : عبد الله بن وهب عن تميم الداري صوابه عبد الله بن موهب .

                                                                                                          قوله : ( ما السنة في الرجل ) أي ما حكم الشرع في شأن الرجل ( من أهل الشرك ) أي الكفر ( يسلم على يد رجل ) وفي رواية على يدي الرجل ، أي هل يصير مولى له أم لا ؟ ( هو ) أي الرجل المسلم الذي أسلم على يديه الكافر ( أولى الناس بمحياه ومماته ) أي بمن أسلم في حياته ومماته ، يعني يصير مولى له ، قال المظهر : فعند أبي حنيفة والشافعي ومالك والثوري رحمهم الله : لا يصير مولى ، ويصير مولى عند عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وعمرو بن الليث لهذا الحديث ، ودليل الشافعي وأتباعه قوله عليه الصلاة والسلام : الولاء لمن أعتق ، وحديث تميم الداري يحتمل أنه كان في بدء الإسلام لأنهم كانوا يتوارثون بالإسلام والنصرة ثم نسخ ذلك ، ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام : هو أولى الناس بمحياه ومماته ، يعني بالنصرة في حال الحياة ، وبالصلاة بعد الموت فلا يكون حجة انتهى ، كذا في المرقاة ، وقال الخطابي : قد يحتج به من يرى توريث الرجل ممن يسلم على يده من الكفار ، وإليه ذهب أصحاب الرأي إلا أنهم قد زادوا في ذلك شرطا وهو أن يعاقده ويواليه ، فإن أسلم على يده ولم يعاقده ولم يواله فلا شيء له ، وقال [ ص: 247 ] إسحاق بن راهويه كقول أصحاب الرأي إلا أنه لم يذكر الموالاة ، قال الخطابي : ودلالة الحديث مهمة وليس فيه أنه يرثه وإنما فيه أنه أولى الناس بمحياه ومماته ، فقد يحتمل أن يكون ذلك في الميراث ، وقد يحتمل أن يكون ذلك في رعي الذمام والإيثار والبر والصلة وما أشبهها من الأمور ، وقد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق ، وقال أكثر الفقهاء : لا يرثه ، وضعف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا ، وقال : عبد العزيز راويه ليس من أهل الحفظ والإتقان انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن وهب إلخ ) أخرجه أحمد والدارمي والنسائي وابن ماجه ( وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن وهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب ، ورواه يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر وزاد فيه عن قبيصة بن ذؤيب ) قال البخاري في صحيحه في باب : إذا أسلم على يديه من كتاب الفرائض ويذكر عن تميم الداري رفعه قال : هو أولى الناس بمحياه ومماته ، قال الحافظ في الفتح : قد وصله البخاري في تاريخه وأبو داود وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز بالعنعنة كلهم من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال : قلت يا رسول الله ما السنة في الرجل ؟ الحديث ( وهو عندي ليس بمتصل ) قال البخاري في صحيحه : واختلفوا في صحة هذا الخبر انتهى ، وقد بسط الحافظ الكلام على هذا الحديث في الفتح والعيني في العمدة .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ) كإسحاق بن راهويه وغيره ( وقال بعضهم يجعل ميراثه في بيت المال ، وهو قول الشافعي ، واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق ) وقول الشافعي ومن تبعه هو الظاهر لأن حديث تميم الداري المذكور في الباب على تقدير صحته لا يقاوم حديث عائشة : إنما الولاء لمن أعتق ، وعلى التنزل فتردد في الجمع هل يخص عموم الحديث المتفق على صحته بهذا ، فيستثني منه من أسلم أو تؤول الأولوية في قوله : أولى الناس بمعنى النصرة [ ص: 248 ] والمعاونة وما أشبه ذلك لا بالميراث ، ويبقى الحديث المتفق على صحته على عمومه ؟ جنح الجمهور إلى الثاني ورجحانه ظاهر ، وبه جزم ابن القصار في ما حكاه ابن بطال فقال : لو صح الحديث لكان تأويله أنه أحق بموالاته في النصر والإعانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك ، ولو جاء الحديث بلفظ أحق بميراثه لوجب تخصيص الأول والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية