الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم اختلف أهل العربية في معنى قوله: فبما أغويتني على قولين: [ ص: 206 ] أحدهما: أنه على معنى القسم وتقديره: فبإغوائك لي لأقعدن لهم صراطك المستقيم. والثاني: أنه على معنى المجازاة ، تقديره: فلأنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. واختلف أهل العلم في قوله: أغويتني على أربعة أقاويل: أحدها: معناه أضللتني ، قاله ابن عباس وابن زيد . والثاني: معناه خيبتني من جنتك ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما



                                                                                                                                                                                                                                        أي ومن يخب. والثالث: معناه عذبتني كقوله تعالى: فسوف يلقون غيا [مريم: 59] أي عذابا ، قاله الحسن . والرابع: معناه أهلكتني بلعنك لي ، يقال غوى الفصيل إذا أشفى على الهلاك بفقد اللبن ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        معطفة الأثناء ليس فصيلها     برازئها درا ولا ميت غوى



                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي على صراطك المستقيم ، وفيه تأويلان: أحدهما: طريق مكة ليصد عن قصدها في الحج والعمرة ، قاله ابن مسعود. والثاني: طريق الحق ليصد عنها بالإغواء ، قاله مجاهد . قوله عز وجل: ثم لآتينهم من بين أيديهم الآية. فيه أربعة تأويلات: أحدها: من بين أيديهم أي أشككهم في آخرتهم ، ومن خلفهم [ ص: 207 ] أرغبهم في دنياهم ، وعن أيمانهم : أي من قبل حسناتهم ، وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم ، قاله ابن عباس . والثاني: من بين أيديهم : من قبل ، دنياهم ، ومن خلفهم : من قبل آخرتهم ، وعن أيمانهم : الحق أشككهم فيه ، وعن شمائلهم : الباطل أرغبهم فيه ، قاله السدي وإبراهيم. والثالث: من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث ينظرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم : من حيث لا يبصرون ، قاله مجاهد . والرابع: أراد من كل الجهات التي يمكن الاحتيال عليهم منها ، ولم يذكر من فوقهم لأن رحمة الله تصده ، ولا من تحت أرجلهم لما فيه من التنفير ، قاله بعض المتأخرين. ويحتمل تأويلا خامسا: من بين أيديهم : فيما بقي من أعمارهم فلا يقدمون على طاعة ، ومن خلفهم : فيما مضى من أعمارهم فلا يتوبون عن معصية ، وعن أيمانهم : من قبل غناهم فلا ينفقونه في مشكور ، وعن شمائلهم : من قبل فقرهم فلا يمتنعون فيه عن محظور. ويحتمل سادسا: من بين أيديهم : بسط أملهم ، ومن خلفهم تحكيم جهلهم ، وعن أيمانهم : فيما ييسر لهم ، وعن شمائلهم : فيما تعسر عليهم ، ثم قال: ولا تجد أكثرهم شاكرين يحتمل وجهين: أحدهما: شاكرين لنعمك. والثاني: مقيمين على طاعتك. فإن قيل: فكيف علم إبليس ذلك؟ فعنه جوابان: أحدهما: أنه ظن ذلك فصدق ظنه ، كما قال تعالى: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه [سبأ: 20] وسبب ظنه أنه لما أغوى آدم واستزله قال: ذرية هذا أضعف منه ، قاله الحسن . والثاني: أنه يجوز أن يكون علم ذلك من جهة الملائكة بخبر من الله. [ ص: 208 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية