الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

في رجل عزم على حفر قبره في حال حياته، فماذا يستحب أن يفعل مع ذلك من الأجر الموجب لثواب الله سبحانه والأفضل فيه؟ عرفونا مبسوطا.

الجواب

لا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه، وأيضا فإن الله تعالى يقول: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ، والعبد لا يدري أين يموت، وكم من أعد له قبرا وبنى عليه بناء وقتل أو مات في بلد آخر، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت فهذا يكون بالعمل الصالح، فإن العبد إنما يؤنسه في قبره عمله الصالح، فكلما أكثر من الأعمال الصالحة -كالصلاة والقراءة والذكر والدعاء والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- كان ذلك هو الذي ينفعه في قبره، لا ينفعه بناء القبر ولا توسيعه ولا ترتيبه، بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجصص القبر، وأن [ ص: 220 ] يبنى عليه، فكيف بمن يبني القبور كأنها قصور؟ فهذا من أعظم ما ينكر من الأمور، وهو باتفاق المسلمين لا ينفع الميت شيئا، وإنما ينفعه العمل الصالح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

فمن ظن أن إعداد القبر وبناءه وتعظيمه وتحسينه ينفعه فقد تمنى على الله الأماني الكاذبة، وإنما يكون في قبره بحسب ما في قلبه، وكلما كان الإيمان في قلبه أعظم كان في قبره أسر وأنعم، قال الله تعالى: أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير ، فجمع سبحانه بين ما في القبور وما في الصدور، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمشركين عام الخندق: "ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس". وهذا باب واسع لا يتسع له هذا الموضع، والله أعلم. [ ص: 221 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية