الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة : ( ثم يقصر من شعره إن كان معتمرا ، وقد حل إلا المتمتع إن كان معه هدي ، والقارن والمفرد فإنه لا يحل ) .

وجملة ذلك أنه إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد جاز أن يحل من إحرامه ما لم يكن معه هدي ، سواء كان قد أحرم بعمرة ، أو بحج ، أو بعمرة وحج كما تقدم ، وكما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته في حجة الوداع ; لكن إن أحب المفرد والقارن أن يبقيا على إحرامهما فلهما ذلك كما تقدم .

[ ص: 467 ] ومعنى قول الشيخ : إلا المتمتع السائق والمفرد والقارن ، يعني لا يقصرون ولا يحلون ; لكن من ساق الهدي فلا يحل له الإحلال ، والمفرد والقارن لا يجب عليهما الإحلال ، ويجوز أن يكون معنى كلامه : أنه ما دام ناويا للإفراد والقران لم يجز له الإحلال ، وإنما يجوز له الإحلال إذا نوى الإحلال بعمرة وفسخ نية الحج ، وحينئذ لا يصير مفردا ولا قارنا .

وأما المحرم بعمرة فإن لم يكن متمتعا بأن يكون قد أحرم بها قبل أشهر الحج أو في أشهر الحج وهو لا يريد الحج من عامه فهذا يحل إحلالا تاما ; فيحلق شعره ، وينحر هديه عند المروة وغيرها من بقاع مكة ، وإن قصر جاز كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضية ، وعمرة الجعرانة .

وقول الشيخ : ثم يقصر من شعره ، على هذا إما أن يكون أراد به بيان أدنى ما يتحلل به ، أو ذكر التقصير لما اشتمل كلامه على المعتمر متمتعا كان أو مفردا لعمرته .

وأما المعتمر عمرة التمتع إذا لم يكن قد ساق الهدي ، فإنه يحل إحلالا تاما سواء كان قد نوى التمتع في أول إحرامه ، أو في أثنائه ، أو طاف للقدوم وسعى ، ثم بدا له التمتع ; لكن يستحب أن يقصر من شعره ، ويؤخر الحلاق إلى إحلاله من الحج ، فيكون قد قصر في عمرته وحلق في حجته ، ولو حلق أولا لم يمكنه في الحج حلق ، ولا تقصير ، وبذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، فعن جابر بن عبد الله : " أنه حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ساق البدن معه ، وقد أهلوا بالحج مفردا ، فقال لهم : أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج ، واجعلوا التي قدمتم بها متعة ، فقالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج ، فقال : افعلوا ما أمرتكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ، ففعلوا .

وعن ابن عمر وعائشة : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن [ ص: 468 ] منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج وليهد ، ... الحديث " متفق عليهما .

وقد تقدمت الأحاديث أنه أمرهم أن يحلوا الحل كله ، وأنهم لبسوا الثياب ، وأتوا النساء .

ولو حلق جاز ، وقد روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال : " أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج فلما قدم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ولم يقصر ولم يحل من أجل الهدي ، وأمر من لم يكن ساق الهدي أن يطوف وأن يسعى ويقصر أو يحلق " رواه أبو داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية