الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الحث على الوصية

                                                                                                          2118 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( ما حق امرئ مسلم ) كلمة ( ما ) بمعنى ليس ( يبيت ليلتين ) جملة فعلية وقعت صفة أخرى لامرئ ( وله ما يوصي فيه ) جملة حالية أي وله شيء يريد أن يوصي فيه ( إلا ووصيته مكتوبة عنده ) مستثنى خبر ليس والواو فيه للحال قاله العيني تبعا للطيبي ، وقال الحافظ : قوله يبيت كأن فيه حذفا ، تقديره أن يبيت وهو كقوله تعالى : ومن آياته يريكم البرق الآية ، ويجوز أن يكون يبيت صفة لمسلم وبه جزم الطيبي قال هي صفة ثانية انتهى .

                                                                                                          قال العيني معترضا عليه : هذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى أيضا وإنما قدر أن في قوله يريكم لأنه في موضع الابتداء ; لأن قوله ومن آياته في موضع الخبر ، والفعل لا يقع مبتدأ فيقدر أن فيه حتى يكون في معنى المصدر فيصح حينئذ وقوعه مبتدأ ، فمن له ذوق من العربية يفهم هذا ويعلم تغيير المعنى فيما قال انتهى .

                                                                                                          قلت : قال القسطلاني : لم يجب الحافظ عن ذلك في انتقاض الاعتراض بشيء بل بيض له ككثير من الاعتراضات التي أوردها العيني عليه ، لكن يدل لما قاله رواية النسائي من طريق [ ص: 256 ] فضيل بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر حيث قال فيها : أن يبيت ، فصرح بأن المصدرية ، انتهى .

                                                                                                          قلت : ويدل له أيضا ما رواه أحمد عن سفيان عن أيوب بلفظ : حق على كل مسلم أن لا يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه الحديث ، وما رواه أبو عوانة من طريق هشام بن الغاز عن نافع بلفظ : لا ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين الحديث ، فقول العيني هذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى إلخ ليس مما يلتفت إليه ، وقد قال بما قال الحافظ غيره من أهل العلم قال في العدة : ويحتمل أن يكون خبر المبتدأ يبيت بتأويله بالمصدر تقديره ما حقه بيتوتته ليلتين إلا وهو بهذه الصفة ، وهذا معنى قوله في المصابيح : أن يبيت ليلتين ارتفع بعد حذف أن مثل قوله تعالى ومن آياته يريكم البرق ذكره القسطلاني قال الحافظ : قوله ليلتين كذا لأكثر الرواة ، وفي رواية لأبي عوانة والبيهقي يبيت ليلة أو ليلتين ، وفي رواية لمسلم والنسائي يبيت ثلاث ليال ، فكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه ، واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا التحديد ، والمعنى لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة ، وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير ، وكأن الثلاث غاية للتأخير ، ولذلك قال ابن عمر في رواية سالم : لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك " إلا ووصيتي عندي " انتهى .

                                                                                                          قال النووي رحمه الله : فيه الحث على الوصية وقد أجمع المسلمون على الأمر بها لكن مذهبنا ومذهب الجماهير أنها مندوبة لا واجبة ، وقال داود وغيره من أهل الظاهر : هي واجبة لهذا الحديث ولا دلالة لهم فيه ، فليس فيه تصريح بإيجابها لكن إن كان على الإنسان دين أو حق أو عنده وديعة ونحوها لزمه الإيصاء بذلك ، قال الشافعي رحمه الله تعالى : معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده ويستحب تعجيلها ، وأن يكتبها في صحيفة ، ويشهد عليه فيها ، ويكتب فيها ما يحتاج إليه ، فإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه بها ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ووصيته مكتوبة عنده معناه مكتوبة وقد أشهد عليه بها لا أنه يقتصر على الكتابة بل لا يعمل بها ولا ينفع إلا إذا كان أشهد عليه بها ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور .

                                                                                                          وقال الإمام محمد بن نصر المروزي من أصحابنا : يكفي الكتاب من غير إشهاد لظاهر الحديث انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك وأحمد والشيخان وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية