الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويعتبر اتفاق الشاهدين لفظا ومعنى ) أي عند أبي حنيفة رضي الله عنه ويكفي عندهما الاتفاق في المعنى والمراد باتفاقهما لفظا تطابق لفظيهما على إفادة المعنى بطريق الوضع لا بطريق التضمن فلو ادعى على آخر مائة درهم فشهد واحد بدرهم وآخر بدرهمين وآخر بثلاثة وآخر بأربعة وآخر بخمسة لم تقبل عنده في شيء لعدم الموافقة لفظا وعندهما يقضى بأربعة وكذا إن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل عنده وعندهما تقبل على الألف إذا كان المدعي يدعي ألفين وعلى هذا المائة والمائتان والطلقة والطلقتان والطلقة والثلاث كذا في الكافي وقد أشار بتفسير الموافقة إلى أنه لا يشترط أن يكون بعين ذلك اللفظ بل إما بعينه أو بمرادفه حتى لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالعطية تقبل وبه اندفع ما في النهاية من أن المطابقة في المعنى كافية للفرع المذكور لحصول المطابقة لفظا ومعنى بخلاف ما لو شهد أحدهما بأنه قال لها : أنت خلية وشهد الآخر بأنه قال لها : أنت برية حيث لا يقبل لأنهما لفظان متباينان وإن اشتركا في لازم واحد وهو البينونة لأن معنى خلية غير معنى برية وعلى هذا لو شهد أحدهما بالنكاح والآخر بالتزويج فإنها تقبل كما في المحيط ولو شهد أحدهما بالغصب أو القتل والآخر بالإقرار به لا تقبل ذكره الشارح وفي العمدة شهد أحدهما أن له عليه ألف درهم وشهد الآخر أنه أقر له بألف درهم تقبل ا هـ .

                                                                                        وخرج عن ظاهر قول الإمام مسائل وإن أمكن رجوعها إليه في الحقيقة الأولى ما في العمدة الثانية ادعى كر حنطة فشهد أحدهما بأنها جيدة والآخر رديئة والدعوى بالأفضل يقضى بالأقل الثالثة ادعى مائة دينار فقال أحدهما : نيسابورية والآخر بخارية والمدعي يدعي النيسابورية وهو أجود يقضى بالبخارية بلا خلاف [ ص: 110 ] ينقل ومثله لو شهد أحدهما بألف بيض والآخر بألف سود والمدعي يدعي الأفضل تقبل على الأقل ووجهه في المسائل الثلاث أنهما اتفقا على الكمية وانفرد أحدهما بزيادة وصف ولو كان المدعي يدعي الأقل لا تقبل إلا أن وفق بالإبراء وتمامه في فتح القدير الرابعة مسألة الهبة والعطية الخامسة مسألة النكاح والتزويج وقدمناهما السادسة شهد أحدهما أنه جعلها صدقة موقوفة أبدا على أن لزيد ثلث غلتها وشهد آخر أن لزيد نصفها تقبل على الثلث والباقي للمساكين كذا في أوقاف الخصاف السابعة ادعى أنه باع بيع الوفاء فإذا شهد أحدهما به والآخر بأن المشتري أقر بذلك تقبل كما في فتح القدير ولا خصوصية لبيع الوفاء فإذا شهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار به تقبل كما في جامع الفصولين ولا خصوصية للبيع بل كل قول كذلك بخلاف الفعل كما فيه أيضا والنكاح كالفعل ا هـ .

                                                                                        الثامنة شهد أحدهما أنها جاريته والآخر أنها كانت له تقبل كما في الفتح أيضا التاسعة ادعى ألفا مطلقا فشهد أحدهما على إقراره بألف قرض والآخر بألف وديعة تقبل وإن ادعى أحد السببين لا تقبل لأنه أكذب شاهده كذا في البزازية بخلاف ما إذا شهد أحدهما بألف قرضا والآخر بألف وديعة فإنها لا تقبل منها أيضا العاشرة ادعى الإبراء فشهد أحدهما به والآخر على أنه وهبه أو تصدق عليه أو حلله جاز بخلاف ما إذا شهد أحدهما على الهبة والآخر على الصدقة لا تقبل كذا في البزازية الحادية عشرة ادعى الهبة فشهد أحدهما بالبراءة والآخر بالهبة وأنه حلله جاز الثانية عشرة ادعى الكفيل الهبة فشهد أحدهما بها والآخر بالإبراء جاز ويثبت الإبراء لا الهبة لأنه أقلهما فلا يرجع الكفيل على الأصيل وهما في البزازية الثالثة عشرة شهد أحدهما على إقراره أنه أخذ العبد والآخر على إقراره بأنه أودعه منه هذا العبد تقبل لاتفاقهما على الإقرار بالأخذ الرابعة عشرة شهد أحدهما أنه غصبه منه والآخر أن فلانا أودع منه هذا العبد يقضى للمدعي ولا يقبل من المدعى عليه بينة بعده لأن الشاهدين شهدا على إقراره بالملك الخامسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه والآخر أنها حبلت منه تقبل السادسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه ذكرا . وقال الآخر : أنثى تقبل كذا في البزازية السابعة عشرة شهد أحدهما أنه أقر أن الدار له والآخر أنه سكن فيها تقبل الثامنة عشرة أنكر إذن عبده فشهد أحدهما على أنه أذن له في الثياب والآخر على أنه أذن له في الطعام تقبل بخلاف ما إذا قال : أحدهما إنه أذنه صريحا وقال الآخر : رآه يشتري ويبيع فسكت لا تقبل التاسعة عشرةاختلف شاهدا الإقرار بالمال في كونه أقر بالعربية أو بالفارسية تقبل بخلافه في الطلاق العشرون شهد أحدهما بأنه قال لعبده : أنت حر وقال الآخر قال له أزدي تقبل الحادية والعشرون قال لامرأته : إن كلمت فلانا فأنت طالق فشهد أحدهما أنها كلمته غدوة والآخر عشية طلقت الثانية والعشرون إن طلقتك فعبده حر فقال أحدهما : طلقها اليوم وقال : الآخر إنه طلقها أمس يقع الطلاق والعتاق الثالثة والعشرون شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا ألبتة والآخر أنه طلقها ثنتين ألبتة يقضى بطلقتين ويملك الرجعة ذكره في المنتقى عن هشام عن محمد بخلاف ما إذا شهد أحدهما أنه أعتق كله والآخر أنه أعتق نصفه لا تقبل وعلى هذا ففرق بين الطلقة والطلقتين وبين هذه .

                                                                                        والفرق أنهما هنا اتفقا على البينونة لفظا ومعنى وإن اختلفا في العدد بخلاف تلك وفي العيون لأبي الليث هشام عن محمد في رجل تحته أمة فأعتقت فشهد عليه شاهدان فقال أحدهما : أشهد أنك طلقتها وهي أمة ثلاثا وشهد الآخر أنه طلقها بعدما أعتقت ثلاثا قال : هما تطليقتان فيملك الرجعة لأن الثلاث التي شهد بها في حال الرق واحدة منهما ليست بشيء ولو شهد شاهد أن فلانا طلق امرأته ثلاثا ألبتة وشهد الآخر أنه طلقها اثنتين ألبتة فهما تطليقتان يملك الرجعة لأنه يحتاج إلى قوله ألبتة في ثلاث ا هـ .

                                                                                        الرابعة والعشرون : شهد أحدهما أنه أعتق بالعربي والآخر [ ص: 111 ] بالفارسي تقبل للاتفاق في المعنى بخلاف ما إذا شهد أحدهما أنه قذفه بالعربي والآخر بالفارسي لا تقبل لأن العبرة في الحدود للصورة والمعنى جميعا احتياطا للدرء كذا في البزازية .

                                                                                        الخامسة والعشرون اختلفا في مقدار المهر يقضى بالأقل كما في البزازية وفي جامع الفصولين شهدا ببيع أو إجارة أو طلاق أو عتق على مال واختلفا في قدر البدل لا تقبل إلا في النكاح تقبل ويرجع في المهر إلى مهر المثل وقالا : لا تقبل في النكاح أيضا . ا هـ .

                                                                                        السادسة والعشرون : شهد أحدهما أنه وكله بخصومة مع فلان في دار سماها وشهد الآخر وكله بخصومة فيه وفي شيء آخر تقبل في دار اجتمعا عليه إذ الوكالة تقبل التخصيص وفيما اتفق عليه الشاهدان تثبت الوكالة لا فيما تفرد به أحدهما فلو ادعى وكالة معينة فشهد بها والآخر بوكالة عامة ينبغي أن تثبت المعينة ولو شهد بوكالة وزاد أحدهما أنه عزله تقبل في الوكالة لا في العزل ولو شهد أحدهما أنه وكله بطلاقها وشهد الآخر أنه وكله بطلاقها وطلاق فلانة الأخرى فهو وكيل في طلاق التي اتفقا عليه كذا في جامع الفصولين السابعة والعشرون شهد أحدهما بأنه وقفه في صحته والآخر بأنه وقفه في مرضه قبلا إذ شهدا بوقف بات إلا أن حكم المرض ينقض فيما لا يخرج من الثلث وبهذا لا تمنع الشهادة كما لو شهد أحدهما أنه وقف ثلث أرضه والآخر أنه وقف ربعها كذا في جامع الفصولين من كتاب الوقف من أحكام المرضى الثامنة والعشرون ولو شهد شاهد أنه أوصى إليه يوم الخميس وآخر أنه أوصى إليه يوم الجمعة جازت لأنها كلام لا يختلف بزمان ومكان كذا في وصايا الولوالجية التاسعة والعشرون ادعى مالا فشهد أحدهما أن المحتال عليه أحال غريمه بهذا المال وشهد الآخر أنه كفل عن غريمه بهذا المال تقبل كذا في القنية الثلاثون شهد أحدهما أنه باعه بكذا إلى شهر وشهد الآخر بالبيع ولم يذكر الأجل الحادية والثلاثون شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار ثلاثة أيام ولم يذكر الآخر الخيار تقبل فيهما كما ذكره الزيلعي في باب التحالف الثانية والثلاثون من وكالة منية المفتي شهد واحد أنه وكله بالخصومة في هذه الدار عند قاضي الكوفة وآخر قال : عند قاضي البصرة جازت شهادتهما . ا هـ .

                                                                                        والثالثة والثلاثون : في أدب القضاء للخصاف من باب الشهادة بالوكالة شهد أحدهما أنه وكله بالقبض والآخر أنه جراه تقبل الرابعة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه سلطه على قبضه تقبل الخامسة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه أوصى إليه بقبضه في حياته تقبل السادسة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بطلب دينه والآخر بتقاضيه تقبل السابعة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر بتقاضيه أو طلبه تقبل الثامنة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه أمره بأخذه أو أرسله ليأخذه تقبل ا هـ .

                                                                                        وهي في أدب القضاء وما قبلها التاسعة والثلاثون اختلفا في زمن إقراره بالوقف تقبل الأربعون اختلفا في مكان إقراره به تقبل الحادية والأربعون اختلفا في وقفه في صحته أو في مرضه تقبل الثانية والأربعون شهد أحدهما بوقفها على زيد والآخر على عمرو تقبل وتكون وقفا على الفقراء وهذه الثلاثة من الإسعاف .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وبه اندفع ما في النهاية إلخ ) لا يخفى أن ما في النهاية هو عين ما قرره من أن الشرط تطابق اللفظين على إفادة المعنى وأنه لا يشترط أن يكون بعين ذلك اللفظ بل به أو بمرادفه وهذا معنى قوله إن المطابقة في المعنى كافية ومراده المطابقة بطريق الوضع لا التضمن بدليل قوله في النهاية المقصود ما تضمنه اللفظ وهو ما صار اللفظ علما عليه فإن ما صار اللفظ علما عليه هو معناه المطابقي كما لا يخفى فتدبر ( قوله ولو شهد أحدهما بالغصب أو القتل والآخر بالإقرار به لا تقبل إلخ ) قال الرملي : ذكر في باب اختلاف الشهادات من شهادات الجامع وليس الاختلاف بين الشاهدين بمنزلة الاختلاف بين الدعوى والشهادة لأن شهادة الشاهدين ينبغي أن تكون كل واحدة منهما مطابقة للأخرى في اللفظ الذي لا يوجب خللا في المعنى أما المطابقة بين الدعوى والشهادة فينبغي أن يكون في المعنى خاصة ولا عبرة للفظ حتى لو ادعى الغصب وشهد أحدهما على الغصب والآخر على الإقرار بالغصب لا تقبل ولو شهدا على الإقرار بالغصب تقبل وتمامه في الفصول العمادية ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين ادعى قتلا وشهد به وآخر أنه أقر به ترد إذ الإقرار يتكرر لا القتل قال الرملي في حاشيته عليه أقول : فلو اتفقا على الشهادة بالإقرار تقبل كما هو ظاهر وقد صرح في التتارخانية عن المحيط قال بعد أن رمز للمحيط وصور المسألة وإذا شهد أحدهما على إقراره أنه قتله عمدا بالسيف وشهد الآخر على إقراره أنه قتله عمدا بالسكين فقال ولي القتيل : إنه أقر بما قالا ولكنه والله ما قتله إلا بالسيف أو قال صدقا جميعا لكنه والله ما قتله إلا بالرمح فهذا كله سواء ويقتص من القاتل ا هـ . تدبره .

                                                                                        هذا وقد صرح أيضا في شرح الغرر بالمسألة فقال بعدما ذكر المسألة التي هنا : وبخلاف ما إذا شهد بالإقرار به حيث تقبل ا هـ .

                                                                                        [ ص: 110 ] ( قوله ولا خصوصية لبيع الوفاء إلخ ) يدخل فيه ما في العمدة وهو المسألة الأولى ( قوله منها أيضا ) الضمير للبزازية أي هذه المسألة منقولة منها أيضا ( قوله لأن الشاهدين شهدا على إقراره بالملك ) فيه نظر ظاهر ( قوله بخلافه في الطلاق ) قال في البزازية عن المنتقى لأني أنويه في وجوه كثيرة لكن قال في الأشباه والنظائر : والأصح القبول فيهما ( قوله يقضى بطلقتين ويملك الرجعة ) لعل وجهه حمل قول الشاهدين ألبتة على الجزم واليقين لا على البينونة لعدم إمكانه في الطلقتين وحينئذ فلا يظهر الفرق الآتي فتأمل وهذه المسألة مخالفة لما قدمه عن الكافي أول المقولة وسيأتي في المقولة الثانية التنبيه عليه وأن المذهب خلاف ما هنا ( قوله اتفقا على البينونة ) هذا مخالف لقوله ويملك الرجعة ( قوله الرابعة والعشرون ) مكررة مع المسألة العشرين .

                                                                                        [ ص: 111 ] ( قوله وفي جامع الفصولين شهدا إلخ ) الظاهر أن هذا فيما إذا أنكر الزوج النكاح من أصله وكذا البيع ونحوه وما في البزازية فيما إذا اتفقا على النكاح واختلفا في قدر المهر ووجه عدم القبول في البيع ونحوه أن العقد بألف مثلا غير العقد بألفين وكذا النكاح على قولهما وعلى قوله باستثناء النكاح أن المال فيه غير مقصود ولذا صح بدون ذكره بخلاف البيع ونحوه ( قوله السابعة والعشرون ) في الإسعاف ولو شهد عليه بوقف أرضه قال أحدهما : كان ذلك وهو صحيح وقال الآخر : كان ذلك في مرضه قبلت الشهادة ثم إن خرجت من ثلث ماله كانت كلها وقفا وإلا فبحسابه ولو قال أحدهما : وقفها في صحته وقال الآخر : جعلها وقفا بعد وفاته بطلت الشهادة وإن كانت تخرج من الثلث لأن الشاهد بأنه وقفها بعد موته شهد بأنها وصية والشاهد بأنه وقفها في صحته قد أمضى الوقف وهما مختلفان . ا هـ .

                                                                                        ( قوله فشهد أحدهما أن المحتال عليه أحال غريمه ) الذي في القنية أن المحتال عليه احتال عن غريمه ( قوله والآخر أنه جراه تقبل ) قال في شرح أدب القاضي لأن الجراية والوكالة سواء والجري والوكيل سواء فقد اتفق الشاهدان في المعنى واختلفا في اللفظ وأنه لا يمنع قبول الشهادة إلخ ( قوله الحادية والأربعون ) مكررة مع السابعة والعشرين




                                                                                        الخدمات العلمية