الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 13 - 15 ] فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها

                                                                                                                                                                                                                                      فقال لهم رسول الله يعني صالحا عليه السلام لقومه. ناقة الله وسقياها أي: احذروا واتقوا ناقة الله التي جعلها آية بينة وشربها، الذي اختصه الله به في يومها. وكان عليه السلام تقدم إليهم عن أمر الله أن للناقة شرب يوم ولهم شرب يوم آخر، غير يوم الناقة، [ ص: 6171 ] كما بينته آية الشعراء قال: هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم أي: لا تؤذوا الناقة ولا تتعدوا عليها في شربها ويوم شربها فكذبوه أي: فيما حذرهم منه من حلول العذاب إن فعلوا فعقروها أي: قتلوها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال في (النهاية): أصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم. ثم اتسع حتى استعمل في القتل والهلاك، وذلك أنهم أجمعوا على منعها الشرب ورضوا بقتلها. وعن رضا جميعهم قتلها قاتلها وعقرها من عقرها; ولذلك نسب التكذيب والعقر على جميعهم فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها أي: أهلكهم وأزعجهم بسبب كفرهم به وتكذيبهم رسوله وعقرهم ناقته، استهانة به واستخفافا بما بعث به. وقيل: دمدم أطبق عليهم العذاب. وقيل: الدمدمة حكاية صوت الهدة فسواها أي: فسوى الدمدمة عليهم جميعا، فلم يفلت منهم أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      بمعنى جعلها سواء بينهم، أو الضمير لثمود، أي: جعلها عليهم سواء ولا يخاف عقباها أي: لا يخشى تبعة إهلاكهم لأنه العزيز الذي لا يغالب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب: أي: لا يخاف عاقبتها كما يخاف الملوك عاقبة ما تفعله; فهو استعارة تمثيلية لإهانتهم وأنهم أذلاء عند الله. فالضمير في "يخاف" لله وهو الأظهر. ويجوز عوده للرسول صلى الله عليه وسلم أي: أنه لا يخاف عاقبة إنذاره لهم وهو على الحقيقة، كما إذا قيل: الضمير للأشقى، أي: أنه لا يخاف عاقبة فعله الشنيع. والواو الحال أو الاستئناف.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): المقصود أن الآية أوجبت لهم البصيرة فآثروا الضلالة والكفر عن علم ويقين; ولهذا -والله أعلم- ذكر قصتهم من بين قصص سائر الأمم في سورة والشمس وضحاها لأنه ذكر فيها انقسام النفوس إلى الزكية الراشدة المهتدية [ ص: 6172 ] وإلى الفاجرة الضالة الغاوية. وذكر فيها الأصلين: القدر والشرع. فقال: فألهمها فجورها وتقواها فهذا قدره وقضاؤه ثم قال: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها فهذا أمره ودينه. وثمود هداهم فاستحبوا العمى على الهدى. فذكر قصتهم ليبين سوء عاقبة من آثر الفجور على التقوى، والتدسية على التزكية. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية