الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1853 [ ص: 326 ] ( 3 ) باب ما جاء في الغيبة

                                                                                                                        1859 - مالك عن الوليد بن عبد الله بن عبد الله بن صياد ; أن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أخبره : أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما الغيبة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع " قال : يا رسول الله ، وإن كان حقا ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قلت باطلا فذلك البهتان " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        41323 - قال أبو عمر : هكذا قال يحيى : " بن حويطب " ، وإنما هو ابن حنطب ، كذلك قال فيه جماعة من رواة " الموطأ " وكذلك هو عند سائر العلماء ، وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي ، تابعي مدني ثقة ، إلا أن عامة أحاديثه مراسيل ، ويرسل أيضا عن من يلقه من الصحابة .

                                                                                                                        41324 - وقيل : إن سماعه من جابر صحيح ، ومن عائشة على اختلاف .

                                                                                                                        41325 - وأما أبو هريرة ، وابن عمر ، وأبو موسى ، وأم سلمة ، وأبو قتادة ، فلم يسمع منهم في ما يقول عنهم ، وهو يرسل عنهم .

                                                                                                                        41326 - وأما الوليد بن عبد الله بن صياد ، فلا أعلم أحدا روى عنه غير [ ص: 327 ] مالك ، وحديثه هذا في الغيبة محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رواه عنه شعبة ، والدراوردي ، وابن عيينة وغيرهم .

                                                                                                                        41327 - حدثني يونس بن عبد الله ، قال : حدثني محمد بن معاوية ، قال : حدثني جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثني محمد بن جعفر ، قال : حدثني شعبة ، قال : سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتدرون ما الغيبة ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " ذكر أخاك بما يكره " قال : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول ، فقد بهته " .

                                                                                                                        41328 - قال أبو عمر : هذا الحديث مخرج في التفسير في المسند ، في قول الله - عز وجل - ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [ الحجرات : 12 ] ويقتضي معنى الغيبة ، ومعنى البهتان ، وإن كان البهتان عندهم المواجهة بالقبيح .

                                                                                                                        41329 - وروي عن الحسن البصري ، أن رجلا سأله ، فقال له : يا أبا سعيد ، إني اغتبت فلانا ، وإني أريد أن أستحله ، فقال : أما يكفيك أن اغتبته حتى تريد أن [ ص: 328 ] تبهته .

                                                                                                                        41330 - وقال محمد بن سيرين : ظلم لأخيك المسلم ; أن تقول أسوأ ما تعلم فيه .

                                                                                                                        41331 - حدثني عبد الله ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو داود قال : حدثني محمد بن عوف ، قال : حدثني أبو اليمان ، قال : حدثني ابن أبي حسين ، قال : حدثني نوفل بن مساحق ، عن سعيد بن زيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إن من أربى الربا ، الاستطالة في عرض المسلم بغير حق " .

                                                                                                                        41332 - حدثني خلف بن القاسم ، قال : حدثني أحمد بن أسامة بن عبد الرحمن بن أبي السمح ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني هارون بن سعيد ، قال : حدثني عبد الله بن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد ، قال محمد بن المنكدر ، رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم يخرج من هذا البيت ، فمر برجلين ، أعرفهما وأعرف أنسابهما ، فقال : " عليكم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " قلت : فما ذنبهما ؟ قال : " ذنبهما أنهما يأكلان لحوم الناس " .

                                                                                                                        [ ص: 329 ] 41333 - قال أبو عمر : يصحح هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا ، أو ليصمت " .

                                                                                                                        41334 - وحدثني عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثني علي بن محمد ، قال : حدثني أحمد بن داود ، قال : حدثني سحنون ، قال : حدثني ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، قال : أخبرني سليمان بن كيسان ، قال : كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر عنده رجل بفضل أو صلاح ، قال : كيف هو عنده إذا ذكر إخوانه ؟ فإن قالوا : إنه ينتقصهم ، وينال منهم ، قال عمر : ليس هو كما يقولون : وإن قالوا : إنه يذكر منهم جميلا وخيرا ، ويحسن الثناء عليهم ، قال : هو كما تقولون إن شاء الله .

                                                                                                                        41335 - وعن عمر بن الخطاب ، قال : من أدى الأمانة ، وكف عن أعراض المسلمين ، فهو الرجل .

                                                                                                                        41336 - فقد استثنى من هذا الباب من لا غيبة فيه من الفساق المعلنين المجاهرين ، وأهل البدع المضلين .

                                                                                                                        41337 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من ألقى جلباب الحياء ، فلا غيبة له " .

                                                                                                                        41338 - وقد روي عنه - عليه السلام - ، أنه قال : " المجالس بالأمانة إلا مجلس [ ص: 330 ] سفك فيه دم حرام ، أو فرج حرام ، أو مال بغير حقه " .

                                                                                                                        41339 - وقال معاوية : ما بقي من العبادة إلا الوقعة في أهل الريبة ; لأنهم ليس لهم غيبة .

                                                                                                                        41340 - وأصل هذا كله قوله - صلى الله عليه وسلم - ، في الأحمق المطاع عيينة بن حصن الفزاري : " بئس ابن العشيرة " .

                                                                                                                        41341 - قال أبو عمر : لقد أحسن الشاعر في قوله :

                                                                                                                        وأخلاق ذي الفضل معروفة ببذل الجميل ، وكف الأذى



                                                                                                                        41342 - وقال آخر :

                                                                                                                        احذر الغيبة فهي ال فسق لا رخصة فيه
                                                                                                                        إنما المغتاب كالآكل من لحم أخيه


                                                                                                                        41343 - وقد زدنا هذا المعنى بيانا في كتاب " التمهيد " .

                                                                                                                        41344 - وقد أفردنا للغيبة بابا كاملا ، أوردنا فيه ما جاء عن الحكماء والعلماء والشعراء من النظم والنثر في كتابنا : كتاب " بهجة المجالس وأنس المجالس " ، والحمد لله كثيرا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية