الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : ( والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ) .

وفي الترمذي عنه ( ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين أو أثرين ، قطرة دمعة من خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران ، فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله ) .

وصح عنه أنه قال : ( ما من عبد يموت ، له عند الله خير لا يسره أن يرجع إلى الدنيا ، وأن له الدنيا وما فيها ، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة ، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا ، فيقتل مرة أخرى ) وفي لفظ : ( فيقتل عشر مرات لما [ ص: 82 ] يرى من الكرامة ) .

( وقال لأم حارثة بنت النعمان ، وقد قتل ابنها معه يوم بدر ، فسألته أين هو ؟ قال : إنه في الفردوس الأعلى ) .

وقال : ( إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة ، فقال : هل تشتهون شيئا ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل بهم ذلك ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا ، قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ) .

وقال : ( إن للشهيد عند الله خصالا أن يغفر له من أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلية الإيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها . ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ) ذكره أحمد وصححه الترمذي .

وقال لجابر : ( ألا أخبرك ما قال الله لأبيك ؟ قال : بلى ، قال : ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي تمن علي أعطك ، [ ص: 83 ] قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ، قال : إنه سبق مني ( أنهم إليها لا يرجعون) قال : يا رب فأبلغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ) [ آل عمران : 169 ] .

وقال : ( لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم ، قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن الحرب ، فقال الله : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله على رسوله هذه الآيات : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) ) .

وفي " المسند " مرفوعا : ( الشهداء على بارق نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية ) .

وقال : ( لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى يبتدره زوجتاه ، كأنهما طيران أضلتا فصيليهما ببراح من الأرض بيد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها ) .

وفي " المستدرك " والنسائي مرفوعا : ( لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر ) .

[ ص: 84 ] وفيهما : ( ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة ) .

وفي " السنن " : ( يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته ) .

وفي " المسند " : ( أفضل الشهداء الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة ، ويضحك إليهم ربك ، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا ، فلا حساب عليه ) .

وفيه : ( الشهداء أربعة : رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو ، فصدق الله حتى قتل ، فذلك الذي يرفع إليه الناس أعناقهم ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه حتى وقعت قلنسوته ، ورجل مؤمن جيد الإيمان ، لقي العدو فكأنما يضرب جلده بشوك الطلح أتاه سهم غرب فقتله ، هو في الدرجة الثانية ، ورجل مؤمن جيد الإيمان ، خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الثالثة ، ورجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافا كثيرا لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذلك في الدرجة الرابعة ) .

[ ص: 85 ] وفي " المسند " و " صحيح ابن حبان " : ( القتلى ثلاثة : رجل مؤمن جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل ، فذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه ، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة ، ورجل مؤمن فرق على نفسه من الذنوب والخطايا ، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو ، قاتل حتى يقتل ، فتلك ممصمصة محت ذنوبه وخطاياه ، إن السيف محاء الخطايا ، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء ، فإن لها ثمانية أبواب ، ولجهنم سبعة أبواب ، وبعضها أفضل من بعض ، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله ، حتى إذا لقي العدو ، قاتل في سبيل الله حتى يقتل ، فإن ذلك في النار ، إن السيف لا يمحو النفاق ) .

وصح عنه : ( أنه لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا ) .

وسئل أي الجهاد أفضل ؟ فقال : ( من جاهد المشركين بماله ونفسه قيل : فأي القتل أفضل ؟ قال : من أهريق دمه ، وعقر جواده في سبيل الله ) .

[ ص: 86 ] وفي " سنن ابن ماجه " : ( إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) وهو لأحمد والنسائي مرسلا .

وصح عنه : ( أنه لا تزال طائفة من أمته يقاتلون على الحق لا يضرهم من خذلهم ، ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة ) وفي لفظ : ( حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية