الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2341 [ ص: 15 ] 29 - باب: إذا اختلفوا في الطريق الميتاء -وهي: الرحبة تكون بين الطريق- ثم يريد أهلها البنيان، فترك منها الطريق سبعة أذرع.

                                                                                                                                                                                                                              2473 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جرير بن حازم، عن الزبير بن خريت، عن عكرمة، سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق (الميتاء) بسبعة أذرع. [ مسلم: 1613 - فتح: 5 \ 118]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هذه الترجمة لفظ حديث رواه عبادة بن الصامت، عند عبد الله بن أحمد - فيما زاده مطولا- عن أبي كامل الجحدري، ثنا الفضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن (الوليد)، عنه.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمرو الشيباني: (الميتاء) أعظم الطرق، وهي التي يكثر إتيان الناس عليها. وقال ابن التين: هي الطريق الواسعة، وقيل: العامرة، وفي الحديث: "الموت طريق موتاء" أي: مشاركة. والميثاء بالمثلثة: الأرض السهلة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 16 ] ثم ساق البخاري حديث الزبير بن خريت، عن عكرمة، سمعت أبا هريرة قال: قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع. وأخرجه مسلم أيضا، ولابن ماجه من حديث سماك، عن عكرمة، عن

                                                                                                                                                                                                                              ابن عباس مرفوعا: "إذا اختلفتم في الطريق، فاجعلوه سبعة أذرع"، وفيه أيضا عن أنس، أخرجه ابن عدي من حديث عباد بن منصور، عن أيوب السختياني، عنه: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق الميتاء التي تؤتى من كل مكان .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب: هذا حكم من الشارع في الأفنية إذا أراد أهلها البنيان أن تجعل الطريق سبعة أذرع حتى لا تضر بالمارة عليها، وإنما جعلها سبعة أذرع لمدخل الأحمال والأثقال ومخرجها، ومدخل الركبان والرجال، ومطرح ما لا بد لهم من مطرحه عند الحاجة إليه، وما لا يجد الناس بدا من الارتفاق من أجله لطرقهم.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري: والحديث على الوجوب عند العلماء القضاء به، ومخرجه على الخصوص عندهم، ومعناه: أن كل طريق تجعل سبعة أذرع وما يبقى بعد ذلك لكل واحد من الشركاء في الأرض قدر ما ينتفع به، ولا مضرة عليه فيه فهي المرادة بالحديث، وكل طريق يؤخذ لها سبعة أذرع ويبقى لبعض الشركاء من نصيبه بعد ذلك ما لا ينتفع به، فغير داخل في معنى الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره: هذا الحديث في أمهات الطرق وما يكثر الاختلاف فيه والمشي عليه، وأما ثنيات الطريق فيجوز في أفنيتها ما اتفقوا عليه، وإن كان أقل من سبعة أذرع.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 17 ] وروى ابن وهب، عن ابن سمعان: أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها: إن أهلها الذين هم أقرب الناس إليها يقتطعونها بالحصص على قدر ما يشرع فيها من ربعهم، فيعطى صاحب الربع الواسع بقدره، وصاحب الصغير بقدره، ويتركون لطريق المسلمين ثمانية أذرع أو سبعة على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              ونقل ابن التين عن ابن شعبان أنه إذا اختلف البانيان المتقابلان، وأراد أن يقرب كل واحد جداره بجدار صاحبه، جعلا للطريق سبعة أذرع بالذراع المعروفة بذراع البنيان.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف أصحاب مالك فيمن أراد أن يبني في الفناء الواسع، ولا يضر فيه بأحد بعد أن يترك للطريق سبعة أذرع أو ثمانية، فروى ابن وهب أنه ليس له ذلك، وقال أصبغ: أكرهه، فإن ترك لم يعرض له. قال أصبغ: قد تركت فأفتى فيها أشهب، قال: إذا كانت الطريق واسعة وأخذ منها يسيرا لا ضرر فيه ولا بأس بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حبيب: وقول مالك أعجب إلي; لأن الطريق لمنفعة الناس عامة، وربما ضاق الطريق بأهله وبالدواب ويميل الراكب وصاحب الحمل عن الطريق إلى تلك الأفنية والرحاب، فيتسع فيها، فليس لأهلها تغييرها عن حالها. وقول أصبغ وأشهب يعضده حديث الباب، وما وافق الحديث أولى مما خالفه، ففيه الحجة البالغة، ومن معنى هذا الباب ما ذكره ابن حبيب أن عمر قضى بالأفنية لأرباب الدور، وتفسير هذا يعني: أنه قضى بالانتفاع والمجالس والمرابط [ ص: 18 ] والمصاطب وجلوس الباعة، وليس بأن يحاز بالبنيان والتحظير، وقد مر عمر بكير حداد في السوق، فأمر به فهدم وقال: تضيقون على الناس.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطحاوي: لم نجد لهذا الحديث معنى أولى أن يحمل عليه من أن الطريق المبتدأة إذا اختلف مبتدئوها في المقدار الذي يوقفونه لها من المواضع التي يحاولون اتخاذها فيها كالقوم يفتتحون مدينة من مدائن العدو، فيريد الإمام قسمتها ويريد مع ذلك أن يجعل فيها طرقا لمن يسلكها من الناس إلى ما سواها من البلدان ولا يحدها مما كان المفتتحة عليهم، أهملوا ذلك فيها فيجعلون كل طريق منها سبعة أذرع، ومثل ذلك الأرض الموات يقطعها الإمام ويجعل إليه إحياءها ووضع طريقا بها لاجتياز الناس فيه بها إلى ما سواها، فيكون ذلك الطريق سبعة أذرع .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين: معنى (تشاجروا): اختلفوا. قال: وهذا يصح في الطرق الواسعة التي هي ممر الناس دون طرف الدار الواحدة، وكذلك يفعل أيضا إذا جلس في الطريق من يبيع بتركه سبع أذرع، فإن بقي أقل من سبع منع الجالس هناك. قال: وكذلك القرى التي يزرع أهلها يكون الطريق هذا القدر. وقال أبو عبد الملك: أرادوا البنيان في الطريق المسلوك، واصطلحوا على أقل من سبعة أذرع جاز.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية