الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء لا عدوى ولا هامة ولا صفر

                                                                                                          2143 حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عمارة بن القعقاع حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير قال حدثنا صاحب لنا عن ابن مسعود قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يعدي شيء شيئا فقال أعرابي يا رسول الله البعير الجرب الحشفة بذنبه فتجرب الإبل كلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أجرب الأول لا عدوى ولا صفر خلق الله كل نفس وكتب حياتها ورزقها ومصائبها قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وأنس قال وسمعت محمد بن عمرو بن صفوان الثقفي البصري قال سمعت علي بن المديني يقول لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر أحدا أعلم من عبد الرحمن بن مهدي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء لا عدوى ولا هامة ولا صفر ) قال الجزري في النهاية : الهامة الرأس واسم طائر وهو المراد في الحديث ، وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها وهي من طير الليل وقيل هي البومة ، وقيل كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت ، وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة فتطير ويسمونه الصدى ، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه انتهى .

                                                                                                          قوله : ( عن عمارة بن القعقاع ) بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة أرسل عن ابن مسعود وهو من السادسة ( أخبرنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ) بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من الثالثة .

                                                                                                          وذكر الحافظ في اسمه أقوالا ( قال : أخبرنا صاحب لنا ) لم أقف على اسم صاحبه هذا ولم يذكره الحافظ في مبهمات التقريب وتهذيب التهذيب .

                                                                                                          قوله : ( فقال لا يعدي شيء شيئا ) من الإعداء ، قال في القاموس : العدوى ما يعدي من جرب أو غيره وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره ، وقال في النهاية : العدوى اسم من الإعداء كالدعوى والبقوى من الادعاء والإبقاء ، يقال أعداه الداء يعديه إعداء ، وهو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء ، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلا فتتقي مخالطته بإبل أخرى حذرا أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه فقد أبطله الإسلام لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى ، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك ، وإنما الله هو الذي يمرض وينزل الداء انتهى .

                                                                                                          ( البعير أجرب الحشفة ) قال في القاموس : الحشفة محركة ما فوق الختان ، وقال في المجمع : هي رأس الذكر ( ندبنه ) قد ضبط هذا اللفظ في النسخة الأحمدية بضم نون وسكون دال مهملة وكسر موحدة بصيغة المضارع المتكلم من الإدبان ولم يظهر لي معناه اللهم إلا أن يقال إنه مأخوذ من الدبن ، قال [ ص: 296 ] في القاموس : الدبن بالكسر حظيرة الغنم ، وقال في النهاية : الدبن حظيرة الغنم إذا كانت من القصب وهي من الخشب زريبة ومن الحجارة صيرة انتهى ، ثم يقال إن المراد بالدبن هنا معاطن الإبل والمعنى ندخل البعير أجرب الحشفة في المعاطن فيجرب الإبل كلها ويحتمل أن يكون بذنبه بالباء حرف الجر وبذال معجمة ونون مفتوحتين وموحدة وبالضمير المجرور الراجع إلى البعير ، والمعنى أن البعير يجرب أولا حشفته بذنبه ثم يجرب الإبل كلها والله تعالى أعلم .

                                                                                                          ( فمن أجرب الأول ) أي إن كان جربها حصل بالإعداء فمن أجرب البعير الأول ، والمعنى من أوصل الجرب إليه ليبني بناء الإعداء عليه ، بل الكل بقضائه وقدره في أول أمره وآخره ، قال الطيبي : وإنما أتى بمن ، الظاهر أن يقال فما أعدى الأول ليجاب بقوله : الله تعالى أي الله أعدى لا غيره .

                                                                                                          ( لا عدوى ) قد تقدم شرح هذا مبسوطا في باب الطيرة من أبواب السير ( ولا صفر ) قال الإمام البخاري : هو داء يأخذ البطن قال الحافظ : كذا جزم بتفسير الصفر وهو بفتحتين ، وقد نقل أبو عبيدة معمر بن المثنى في غريب الحديث له عن يونس بن عبيد الجرمي أنه سأل رؤبة بن العجاج فقال : هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس وهي أعدى من الجرب عند العرب ، فعلى هذا فالمراد بنفي الصفر ما كانوا يعتقدونه فيه من العدوى ، ورجح عند البخاري هذا القول لكونه قرن في الحديث بالعدوى ، وكذا رجح الطبري هذا القول واستشهد له بقول الأعشى :

                                                                                                          ولا يعض على شرسوفه الصفر

                                                                                                          ، والشرسوف : الضلع ، والصفر : دود يكون في الجوف فربما عض الضلع أو الكبد فقتل صاحبه ، وقيل المراد بالصفر الحية لكن المراد بالنفي نفي ما يعتقدون أن من أصابه قتله ، فرد ذلك الشارع بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل ، وقد جاء هذا التفسير عن جابر وهو أحد رواة حديث لا صفر قاله الطبري ، وقيل في الصفر قول آخر وهو أن المراد به شهر صفر ، وذلك أن العرب كانت تحرم صفر وتستحل المحرم ، فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه من ذلك ، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم : لا صفر قال ابن بطال : وهذا القول مروي عن مالك انتهى ، وحديث ابن مسعود المذكور في الباب أخرجه أيضا ابن خزيمة كما في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وأنس ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه [ ص: 297 ] البخاري وغيره ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه في الطب ، وأما حديث أنس فأخرجه البخاري وغيره .

                                                                                                          قوله : ( سمعت محمد بن عمرو بن صفوان ) قال في تهذيب التهذيب : محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري روى عن علي بن المديني وغيره ، وروى عنه الترمذي هكذا نسبه الترمذي في عامة روايته عنه ، وقال مرة حدثنا محمد بن عمرو بن أبي صفوان انتهى ، وقال في التقريب : مقبول من الحادية عشرة .




                                                                                                          الخدمات العلمية