الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله - عز وجل -:

ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين

قرئ: "ولقد"؛ بضم الدال؛ للضمة بعد الساكن الذي بعد الدال؛ وقرئ بكسر الدال؛ [ ص: 319 ] على عرف الالتقاء؛ وهذه تسلية للنبي - صلى اللـه عليه وسلم - بالأسوة في الرسل؛ وتقوية لنفسه على محاجة المشركين؛ وإخبار يتضمن وعيد مكذبيه؛ والمستهزئين.

و"فحاق"؛ معناه: نزل؛ وأحاط؛ وهي مخصوصة في الشر؛ يقال: "حاق؛ يحيق؛ حيقا"؛ ومنه قول الشاعر:


فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم ... وحاق بهم من بأس ضبة حائق



وقال قوم: أصل "حاق": "حق"؛ فبدلت القاف الواحدة؛ كما بدلت النون في: "تظننت".

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا ضعيف.

و"ما" في قوله: ما كانوا ؛ يصح أن تكون بمعنى "الذي"؛ ويصح أن تكون مع الفعل بتأويل المصدر؛ كأنه قال: "استهزاؤهم"؛ وهذه كناية عن العقوبة؛ كما تهدد إنسانا؛ فتقول: "سيلحقك عملك"؛ والمعنى: عاقبته؛ و"سخروا"؛ معناه: استهزؤوا.

وقوله تعالى قل سيروا ؛ الآية؛ حض على الاعتبار بآثار من مضى؛ ممن فعل فعلهم؛ وقال: "كان"؛ ولم يقل: "كانت"؛ لأن تأنيث العاقبة ليس بحقيقي؛ وهي بمعنى: "الآخر"؛ و"المآل".

ومعنى الآية: "سيروا وتلقوا ممن سار"؛ لأن تحصيل العبرة بآثار من مضى إنما يستند إلى حس العين.

التالي السابق


الخدمات العلمية