الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 231 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المنافقون

سميت هذه السورة في كتب السنة وكتب التفسير ( سورة المنافقين ) اعتبارا بذكر أحوالهم وصفاتهم فيها .

ووقع هذا الاسم في حديث زيد بن أرقم عند الترمذي قوله ( فلما أصبحنا قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة المنافقين ) . وسيأتي قريبا ، وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها المؤمنين ، وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين .

ووقع في صحيح البخاري وبعض كتب التفسير تسميتها ( سورة المنافقون ) على حكاية اللفظ الواقع في أولها وكذلك ثبت في كثير من المصاحف المغربية والمشرقية .

وهي مدنية بالاتفاق .

واتفق العادون على عد آيها إحدى عشرة آية .

وقد عدت الثانية بعد المائة في عداد نزول السور عند جابر بن زيد . نزلت بعد سورة الحج وقبل سورة المجادلة .

والصحيح أنها نزلت في غزوة بني المصطلق ووقع في جامع الترمذي عن محمد بن كعب القرظي أنها نزلت في غزوة تبوك . ووقع فيه أيضا عن سفيان : أن [ ص: 232 ] ذلك في غزوة بني المصطلق وغزوة بني المصطلق سنة خمس ، وغزوة تبوك سنة تسع .

ورجح أهل المغازي وابن العربي في العارضة وابن كثير : أنها نزلت في غزوة بني المصطلق وهو الأظهر . لأن قول عبد الله بن أبي ابن سلول : ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) ، يناسب الوقت الذي لم يضعف فيه شأن المنافقين وكان أمرهم كل يوم في ضعف وكانت غزوة تبوك في آخر سني النبوة وقد ضعف أمر المنافقين .

وسبب نزولها ما روي عن زيد بن أرقم أنه قال : كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا جهنيا حليفا للأنصار فقال الجهني : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين : فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما بال دعوى الجاهلية ، قالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال دعوها فإنها منتنة ( أي اتركوا دعوة الجاهلية : يآل كذا ) فسمع هذا الخبر عبد الله بن أبي فقال : أقد فعلوها أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . وقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ، قال زيد بن أرقم : فسمعت ذلك فأخبرت به عمي فذكره للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فدعاني فحدثته فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا ، فكذبني رسول الله وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله فقال عمي ما أردت إلا أن كذبك رسول الله ، وفي رواية : إلى أن كذبك ، فلما أصبحنا قرأ رسول الله سورة المنافقين وقال لي : إن الله قد صدقك .

وفي رواية للترمذي في هذا الحديث : أن المهاجري أعرابي وأن الأنصاري من أصحاب عبد الله بن أبي ، وأن المهاجري ضرب الأنصاري على رأسه بخشبة فشجه ، وأن عبد الله بن أبي قال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله يعني الأعراب ، وذكر أهل السير أن المهاجري من غفار اسمه جهجاه أجير لعمر بن الخطاب . وأن الأنصاري جهني اسمه سنان حليف لابن [ ص: 233 ] أبي ، ثم يحتمل أن تكون الحادثة واحدة . واضطرب الراوي عن زيد بن أرقم في صفتها ; ويجوز أن يكون قد حصل حادثتان في غزاة واحدة .

وذكر الواحدي في أسباب النزول : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى عبد الله بن أبي وقال له : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ، فقال عبد الله بن أبي : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من هذا وإن زيدا لكاذب .

والظاهر أن المقالة الأولى قالها ابن أبي في سورة غضب تهييجا لقومه ثم خشي انكشاف نفاقه فأنكرها .

وأما المقالة الثانية فإنما أدرجها زيد بن أرقم في حديثه وإنما قالها ابن أبي في سورة الناصح كما سيأتي في تفسير حكايتها .

وعلى الأصح فهي قد نزلت قبل سورة الأحزاب ، وعلى القول بأنها نزلت في غزوة تبوك تكون نزلت مع سورة ( براءة ) أو قبلها بقليل وهو بعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية