الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4747 ) مسألة ; قال : ( وإذا أوصى لرجل بعبد لا يملك غيره ، وقيمته مائة ، ولآخر بثلث ماله ، وملكه غير العبد مائتا درهم ، فأجاز الورثة ذلك ، فلمن أوصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد ، ولمن أوصي له بالعبد ثلاثة أرباعه . وإن لم يجز الورثة ذلك ، فلمن أوصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد ; لأن وصيته في الجميع ، ولمن أوصي له بالعبد نصفه ; لأن وصيته ، في العبد ) وجملته أنه إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ، ولآخر بجزء مشاع منه ، كثلث المال وربعه ، فأجيز لهما ، انفرد صاحب المشاع بوصيته من غير المعين ، ثم شارك صاحب المعين فيه ، فيقتسمانه بينهما على قدر حقيهما فيه ، ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ما له في الوصية ، كمسائل العول ، وكما لو أوصى لرجل بماله ، ولآخر بجزء منه . فأما في حال الرد ، فإن كانت وصيتهما لا تجاوز الثلث ، مثل أن يوصي لرجل بسدس ماله ، ولآخر بمعين قيمته سدس المال ، فهي كحال الإجازة سواء ، إذ لا أثر للرد . وإن جاوزت ثلثه ، رددنا وصيتهما إلى الثلث ، وقسمناه بينهما على قدر وصيتهما ، إلا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من المعين ، والآخر يأخذ حقه من جميع المال . هذا قول الخرقي ، وسائر الأصحاب . ويقوى عندي أنهما في حال الرد يقتسمان الثلث ، على حسب ما لهما في الإجازة . وهذا قول ابن أبي ليلى . وقال أبو حنيفة ، ومالك في الرد : يأخذ صاحب المعين نصيبه منه ، ويضم الآخر سهامه إلى سهام الورثة ، ويقتسمون الباقي على خمسة ، في مثل مسألة الخرقي ; لأن له السدس ، وللورثة أربعة أسداس . وهو مثل قول الخرقي ، إلا أن الخرقي يعطيه السدس من جميع المال ، وعندهما أنه يأخذ خمس المائتين وعشر العبد . واتفقوا على أن كل واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته ; لأن كل واحد منهما قد أوصى له بثلث المال ، وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث ، وهو نصف الوصيتين ، فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته ، ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ما له في الوصية . وفي قول الخرقي رحمة الله عليه : يأخذ كل واحد منهما نصف وصيته من المحل الذي وصى له منه ، وصاحب الثلث يأخذ سدس الجميع ; لأنه وصى له بثلث الجميع . وأما على قولنا ، فإن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث ; لأنه وصى له بشيء أشرك معه غيره فيه كله ، وصاحب الثلث أفرده بشيء لم يشاركه فيه غيره ، فوجب أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب ما لهما في حال الإجازة ، كما في سائر الوصايا ، ففي مسألة الخرقي هذه ، لصاحب الثلث ثلث المائتين ستة وستون وثلثان ، لا يزاحمه الآخر فيها ، ويشتركان في العبد ، لهذا ثلثه ، وللآخر جميعه ، فابسطه من جنس الكسر ، وهو الثلث ، يصير العبد ثلاثة ، واضمم إليها الثلث الذي للآخر ، يصير أربعة ، ثم اقسم العبد على أربعة أسهم ، يصير الثلث ربعا ، كما في مسائل العول . وفي حال الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال ، وهو نصف وصيتهما ، فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته ، فيرجع [ ص: 130 ] صاحب الثلث إلى سدس الجميع ، ويرجع صاحب العبد إلى نصفه . وفي قولنا يضرب مخرج الثلث في مخرج الربع ، يكن اثنا عشر ، ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين ، فلصاحب الثلث ثلث المائتين ، وهو ثمانية من أربعين ، وربع العبد ، وهو ثلاثة أسهم ، صار له أحد عشر ، ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه ، وذلك تسعة أسهم ، فيضمها إلى سهام صاحب الثلث ، صار الجميع عشرين سهما ، ففي حال الرد تجعل الثلث عشرين سهما ، والمال كله ستون ، فلصاحب العبد تسعة من العبد ، وهو ربعه وخمسه ، ولصاحب الثلث ثمانية من الأربعين ، وهي خمسها ، وثلاثة من العبد ، وذلك عشره ونصف عشره . وإن كانت وصية صاحب المشاع بالنصف ، فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد ، ولصاحب العبد ثلثاه ، وفي الرد لصاحب المشاع خمس المائتين وخمس العبد ، ولصاحب العبد خمساه ، وعلى الوجه الآخر ، لصاحب المشاع ربع المائتين وسدس العبد ، ولصاحب العبد ثلثه ، وطريقها أن تنسب الثلث إلى ما حصل لهما في الإجازة ، ثم تعطي كل واحد مما حصل له في الإجازة مثل تلك النسبة . وعلى الوجه الأول تنسب الثلث إلى وصيتهما ، ثم تعطي كل واحد في الرد مثل الخارج بالنسبة ، وبيانه في هذه المسألة ، أن نسبة الثلث إلى وصيتهما بالخمسين ; لأن النصف والثلث خمسة من ستة ، فالثلث خمساها ، فلصاحب العبد خمسا العبد ; لأنه وصيته ، ولصاحب النصف الخمس ; لأنه خمسا وصيته . وعلى الوجه الآخر ، قد حصل لهما في الإجازة الثلثان ، ونسبة الثلث إليهما بالنصف ، فلكل واحد منهما مما حصل له في الإجازة نصفه ، وقد كان لصاحب المشاع من المائتين نصفها ، فله ربعها ، وكان له من العبد ثلثه ، فصار له سدسه ، وكان لصاحب العبد ثلثاه ، فصار له ثلثه . وإن كانت المسألة بحالها ، وملكه غير العبد ثلاثمائة ، ففي الإجازة لصاحب المشاع مائة وخمسون وثلث العبد ، ولصاحب العبد ثلثاه . وفي الرد ، لصاحب المشاع تسعا المال كله ، ولصاحب العبد أربعة أتساعه ، على الوجه الأول . وعلى الوجه الثاني ، لصاحب العبد ربعه وسدسه ، وللآخر ثمنه ونصف سدسه ، ومن المال ثمانون ، وهي ربعها وسدس عشرها . وإن وصى لرجل بجميع ماله ، ولآخر بالعبد ، ففي الإجازة لصاحب العبد نصفه ، والباقي كله للآخر . وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه ، وهو ربع العبد وسدس عشره ، وللآخر أربعة أخماسه ، فله من العبد مثل ما حصل لصاحبه ، ومن كل مائة مثل ذلك ، وهو ثمانون دينارا .

                                                                                                                                            ولو خلف عبدا قيمته مائة ومائتين ، ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله . ووصى بالعبد لآخر ، ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين ، وينفرد صاحب الثلث بثلث الباقي . وفي الرد للموصى له بالعبد ثلثه ، وللآخر ثلثه وثلث المائة . وعلى الوجه الآخر ، لصاحب العبد ربعه ، وللآخر ربعه ونصف المائة ، يرجع كل واحد منهما إلى نصف وصيته . فإن لم تزد الوصيتان على الثلث ، كرجل خلف خمسمائة وعبدا قيمته مائة ، ووصى لرجل بسدس ماله ، ولآخر بالعبد ، فلا أثر للرد هاهنا ، ويأخذ صاحب المشاع سدس المال وسبع العبد ، والآخر ستة أسباعه . وإن وصى لصاحب [ ص: 131 ] المشاع بخمس المال ، فله مائة وسدس العبد ، ولصاحب العبد خمسة أسداسه . ولا أثر للرد أيضا ; لأن الوصيتين لم يخرج بهما من المال أكثر من ثلثه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية