الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              410 (13) باب

                                                                                              المسح على الناصية والعمامة والخمار

                                                                                              [ 209 ] عن المغيرة ; قال : تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت معه . فلما قضى حاجته ، قال : أمعك ماء ؟ فأتيته بمطهرة ، فغسل كفيه ووجهه ، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة ، فأخرج يده من تحت الجبة ، وألقى الجبة على منكبيه ، وغسل ذراعيه ، ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه . ثم ركب وركبت ، فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة ، يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف ، وقد ركع بهم ركعة . فلما أحس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر ، فأومأ إليه ، فصلى بهم . فلما سلم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقمت . فركعنا الركعة التي سبقتنا .

                                                                                              وفي رواية : فأفزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح . فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته ، أقبل عليهم ، ثم قال : أحسنتم - أو قد أصبتم - يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها .

                                                                                              رواه مسلم ( 274 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (13) ومن باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

                                                                                              (قوله في الرواية الأخرى : " ومسح بناصيته وعلى العمامة ") تمسك أبو حنيفة وأشهب من أصحابنا بهذا الحديث على إجزاء مسح الناصية فقط ، ولا حجة لهما فيه ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر عليه ، وأنه مسح على الناصية وعلى [ ص: 533 ] كل العمامة . واحتج به الشافعي وأحمد بن حنبل : على جواز المسح على العمامة ، وأنه يجزئ ، ولا حجة لهما فيه ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يقتصر عليها ، بل مسح معها الناصية . واشترط بعض من أجاز المسح على العمامة أن يكون لبسها على طهارة كالخفين ، وزاد بعضهم : أن تكون بحنك ; ليكون في نزعها مشقة .

                                                                                              وذهب مالك وجل أصحابه إلى أن مسح الرأس على حائل لا يجوز ، تمسكا بظاهر قوله تعالى : وامسحوا برءوسكم [ المائدة : 6 ] وهذا يقتضي المباشرة ، كقوله في التيمم : فامسحوا بوجوهكم [ النساء : 43 ] إلا أن يدعو إلى ذلك ضرورة مرض أو تخوف على النفس ، فحينئذ يجوز المسح على الحائل ، كالحال في الجبائر والعصائب .

                                                                                              وحمل بعض أصحابنا هذا الحديث على أنه - عليه الصلاة والسلام - كان به مرض منعه من كشف رأسه كله ، أو توقعه توقعا صحيحا ، وهذه طريقة حسنة ، فإنه تمسك بظاهر الكتاب ، وتأول هذه الواقعة المعينة ، ويتأيد تأويله بأمرين :

                                                                                              أحدهما : أن هذه الواقعة كانت في السفر ، وهو مظنة الأعذار والأمراض .

                                                                                              والثاني : أنه مسح من رأسه الموضع الذي لم يؤلمه أو لم يتوقع فيه شيئا .

                                                                                              ومسحه - عليه الصلاة والسلام - جميع العمامة دليل لمالك : على وجوب عموم الرأس ; إذ قد نزل العمامة عند الضرورة منزلة الرأس ، فمسح جميعها ، كما فعل [ ص: 534 ] في الخفين ، والله تعالى أعلم . ومبادرة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تقديم عبد الرحمن عند تأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوقت الذي كان يوقع فيه الصلاة ; فيه دليل على محافظتهم على أول الوقت ، وبه احتج الشافعي وغيره على هذا ، ويحتمل : أن يكونوا يئسوا من وصوله إليهم في الوقت بتقديرهم ، أنه أخذ في طريق أخرى ، أو أنه عرس ، ألا ترى فزعهم حين أدركهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلون ؟ ! فدل على أنهم لم يبادروا إلى أول الوقت ، ولا أخروها آخره ، والأشبه : أنهم انتظروه إلى الوقت المعهود ; بدليل قوله : " فغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها " ، فلما خرج ذلك الوقت ; تأولوا أنه صلى ، أو أخذ طريقا أخرى ، أو أنه عرس ، فقدموا عبد الرحمن ، وفيه أبواب من الفقه لا تخفى على متأمل .

                                                                                              و " المطهرة " الإناء الذي يتطهر به . و " يحسر عن ذراعيه " يكشف عنهما . و " الناصية " مقدم شعر الرأس .




                                                                                              الخدمات العلمية