الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما في الإنجيل أن المسيح قال للحواريين : أنا أذهب وسيأتيكم البارقليط روح الحق ، لا يتكلم من قبل نفسه ، إنما هو كما يقال له ، وهو يشهد لي وأنتم تشهدون ، لأنكم معي من قبل الناس ، وكل شيء أعده الله لكم يخبركم به .

وفي إنجيل يوحنا : البارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب ، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه ، ولكنه مما يسمع به يكلمكم ويسوسكم بالحق ، ويخبركم بالحوادث والغيوب .

وفي موضع آخر : إني سائل أبي أن يبعث إليكم بارقليطا آخر يكون معلم الأبد ، وهو يعلمكم كل شيء .

وفي موضع آخر : ابن البشر ذاهب ، والبارقليط من بعده يجيء لكم بالأسرار ، ويفسر [ ص: 324 ] لكم كل شيء ، وهو يشهد لي كما شهدت له ، فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل .

قال أبو محمد بن قتيبة : وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة ، وإنما اختلفت لأن من نقلها عن المسيح صلى الله عليه وسلم في الإنجيل من الحواريين بعده ، والبارقليط في لغتهم من ألفاظ الحمد ، إما أحمد أو محمد أو محمود أو حامد ونحو ذلك . . . وهو في الإنجيل الحبشي : برفقطيس .

وفي موضع آخر : إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم بارقليطا آخر يثبت معكم إلى الأبد ، ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لأنهم لم يعرفوه ، ولست أدعكم أيتاما لأني سآتيكم عن قريب .

وفي موضع آخر : من يحبني بحفظ كلمتي يحبه وإليه يأت وعنده يتخذ المنزل ، كلمتكم بهذا لأني لست عندكم مقيما ، والبارقليط روح الحق الذي يرسله أبي ، وهو يعلمكم كل شيء ، وهو يذكركم كل ما قلت لكم ، استودعتكم سلامي ، لا تقلق قلوبكم ، ولا تجزعوا ، فإني منطلق وعائد إليكم ، لو كنتم تحبوني كنتم تفرحون بمضيي إلى أبي ، فإن ثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدون .

وفي موضع آخر : إذا جاء البارقليط الذي أبي يرسله روح الحق الذي من أبي يشهد لي ما قلت لكم حتى إذا كان تؤمنوا ولا تشكوا فيه .

[ ص: 325 ] وفي موضع آخر : إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ، ولكنكم لا تستطيعون حمله ، لكن إذا جاء روح الحق ، ذاك يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب . قال يوحنا : قال المسيح : إن أركون العالم سيأتي وليس لي شيء . وقال متى : قال المسيح : ألم يروا أن الحجر الذي أخر البناءون صار رأسا للزاوية من عند الله ، كان هذا وهو عجيب في أعيننا ، ومن أجل ذلك أقول لكم : إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ، ويدفع إلى أمة أخرى تأكل ثمرتها ، ومن يسقط على هذا الحجر ينشدح ، وكل من سقط عليه يمحق .

وقد اختلف في البارقليط في لغتهم ، يعني العبرانية ، فذكروا فيه أقوالا ترجع إلى ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه الحامد والحمد كما تقدم ، ورجحت طائفة هذا القول ، وقالوا : الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم أنه الحمد . والدليل عليه في قول يوشع : من عمل حسنة يكون له فارقليط جيد : أي حمد جيد .

والقول الثاني : وعليه أكثر النصارى - أنه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه [ ص: 326 ] المخلص ، وهذه كلمة سريانية معناها المخلص ، قالوا : وهو بالسريانية فاروق ، فجعل ( فارق ) ، قالوا : و ( ليط ) كلمة تزاد ، ومعناها كقول العرب : رجل هو ، وحجر هو ، وفرس هو . قالوا : فكذلك معنى ليط في السريانية .

والقول الثالث : وقالت طائفة أخرى من النصارى : معناه بالسريانية المعزي ، قالوا : وكذلك هو في اللسان اليوناني . ويعترض على هذين القولين بأن المسيح لم تكن لغته سريانية - ولا يونانية بل عبرانية - ، وأجيب عن هذا بأنه يتكلم بالعبرانية ، والإنجيل إنما نزل باللغة العبرانية ، وترجم عليه باللغة السريانية والرومية واليونانية وغيرها .

وأكثر النصارى على أنه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، وفي الإنجيل الذي بأيديهم أنه قال : إنما أتيت لأخلص العالم .

والنصارى يقولون في صلاتهم : لقد ولدت لنا مخلصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية