الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 525 ] فصل ميقات خروج النبي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره ، واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري ، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان ، فصام وصام الناس معه ، حتى إذا كان بالكديد ، بين عسفان وأمج أفطر ، ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين - وقال عروة بن الزبير : كان معه اثنا عشر ألفا . وكذا قال الزهري وموسى بن عقبة - فسبعت سليم ، وبعضهم يقول : ألفت سليم - وألفت مزينة ، وفي كل القبائل عدد وإسلام ، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف عنه منهم أحد . وروى البخاري ، عن محمود ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البيهقي من حديث عاصم بن علي ، عن الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، أن [ ص: 526 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان . قال : وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك ، لا أدري أخرج في ليال من شعبان فاستقبل رمضان ، أو خرج في رمضان بعدما دخل ؟ غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني أن ابن عباس قال : صام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الكديد - الماء الذي بين قديد وعسفان - أفطر ، فلم يزل يفطر حتى انصرم الشهر . ورواه البخاري ، عن عبد الله بن يوسف ، عن الليث ، غير أنه لم يذكر الترديد بين شعبان ورمضان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا علي بن عبد الله ، ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ، فصام حتى بلغ عسفان ، ثم دعا بإناء فشرب نهارا ليراه الناس ، فأفطر حتى قدم مكة . قال : وكان ابن عباس يقول : صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ، وأفطر ، فمن شاء صام ، ومن شاء أفطر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يونس : عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفرة الفتح ، واستعمل على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري ، وخرج لعشر مضين من رمضان ، فصام وصام الناس معه ، حتى أتى الكديد - ماء بين عسفان وأمج - فأفطر ، ودخل مكة مفطرا ، فكان الناس يرون أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر ، وأنه [ ص: 527 ] نسخ ما كان قبله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : فقوله : خرج لعشر من رمضان . مدرج في الحديث ، وكذلك ذكره عبد الله بن إدريس ، عن ابن إسحاق . ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان ، عن حامد بن يحيى ، عن صدقة ، عن ابن إسحاق ، أنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان سنة ثمان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى البيهقي من حديث أبي إسحاق الفزاري ، عن محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : كان الفتح لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان . قال البيهقي : وهذا الإدراج وهم . إنما هو من كلام الزهري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح - فتح مكة - فخرج من المدينة في رمضان ومعه من المسلمين عشرة آلاف ، وذلك على رأس ثماني سنين ونصف سنة من مقدمه المدينة ، وافتتح مكة لثلاث عشرة بقين من رمضان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن [ ص: 528 ] عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان ومعه عشرة آلاف من المسلمين ، فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر ، فقال الزهري : وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث قال الزهري : فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان . ثم عزاه إلى " الصحيحين " من طريق عبد الرزاق والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي من طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، عن عطية بن قيس ، عن قزعة بن يحيى ، عن أبي سعيد الخدري قال : آذننا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان ، فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر ، فأصبح الناس شرجين ، منهم الصائم ومنهم المفطر ، حتى إذا بلغنا المنزل الذي نلقى العدو فيه ، أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه الإمام أحمد ، عن أبي المغيرة ، عن سعيد بن عبد العزيز ، حدثني عطية بن قيس ، عمن حدثه ، عن أبي سعيد الخدري قال : آذننا [ ص: 529 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان ، فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر ، فأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر ، حتى إذا بلغ أدنى منزل تلقاء العدو ، أمرنا بالفطر ، فأفطرنا أجمعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : فعلى ما ذكره الزهري من أن الفتح كان يوم الثالث عشر من رمضان ، وما ذكره أبو سعيد من أنهم خرجوا من المدينة في ثاني شهر رمضان ، يقتضي أن مسيرهم كان بين مكة والمدينة في إحدى عشرة ليلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولكن روى البيهقي ، عن أبي الحسين بن الفضل ، عن عبد الله بن جعفر ، عن يعقوب بن سفيان ، عن الحسن بن الربيع ، عن ابن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، ومحمد بن علي بن الحسين ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعمرو بن شعيب ، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم قالوا : كان فتح مكة في عشر بقيت من شهر رمضان سنة ثمان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو داود الطيالسي : ثنا وهيب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح صائما حتى أتى كراع الغميم ، والناس معه مشاة وركبانا ، وذلك في شهر رمضان ، فقيل : يا رسول الله ، إن الناس قد اشتد عليهم الصوم ، وإنما ينظرون إليك [ ص: 530 ] كيف فعلت . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فرفعه ، فشرب والناس ينظرون ، فصام بعض الناس وأفطر البعض ، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بعضهم صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أولئك العصاة . وقد رواه مسلم من حديث الثقفي والدراوردي ، عن جعفر بن محمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق ، حدثني بشير بن يسار ، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان ، فصام وصام المسلمون معه ، حتى إذا كان بالكديد دعا بماء في قعب وهو على راحلته ، فشرب والناس ينظرون ، يعلمهم أنه قد أفطر ، فأفطر المسلمون . تفرد به أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية