الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة : " فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما " .

قال أبو عبد الله - في رواية المروذي - : فإذا أتيت فقل : اللهم هذه عرفة عرف بيننا وبين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - واغتسل إن أمكنك ، وصل مع الإمام الظهر والعصر ، فإن لم تدرك الإمام جمعت بينهما ، ثم صرت إلى عرفات فوقفت على قرب من الإمام في أصل الجبل إن استطعت ، وعرفات كلها موقف ، وارفع عن بطن عرنة ، وقل : الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، وذكر دعاء كثيرا .

وجملة ذلك : أنه إذا زالت الشمس فإن الإمام والناس يقصدون مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهو بطن وادي عرنة حيث خطب بالناس وصلى بهم ، فيخطب الإمام بالناس ويصلي بهم الصلاتين يجمع بينهما ، ثم يسيرون إلى الموقف بعرفة .

قال جابر : " حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف " رواه مسلم ، وفي حديث ابن عمر نحوه وقد تقدم .

[ ص: 495 ] وعن سالم قال : " كتب عبد الملك إلى الحجاج : أن لا يخالف ابن عمر في الحج فجاء ابن عمر وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس .

فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة ، فقال : ما بالك يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال : الرواح إن كنت تريد السنة ، قال : هذه الساعة ؟ قال : نعم ، قال : فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج ، فنزل حتى خرج الحجاج ، فسار بيني وبين أبي ، فقلت : إن كنت تريد السنة فأقصر الخطبة ، وعجل الوقوف ، فجعل ينظر إلى عبد الله ، فلما رأى ذلك عبد الله قال : [ ص: 496 ] صدق " . رواه البخاري والنسائي .

وعن ابن عمر قال : " لما قتل الحجاج ابن الزبير أرسل إلى ابن عمر أية ساعة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يروح في هذا اليوم ؟ قال : إذا كان ذلك رحنا ، فلما أراد ابن عمر أن يروح قال : قالوا : لم تزغ الشمس ، قال : أزاغت ؟ قالوا : لم تزغ ، قال : فلما قالوا : قد زاغت ارتحل " . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .

فعلى هذا يسيرون إلى بطن الوادي فينزلون فيسمعون الخطبة ، ويصلون ثم يركبون إلى الموقف ، وأما الأحمال فعلى حالها .

ولم يكن في هذا المصلى على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه مسجد .

قال مالك بن أنس - رضي الله عنه - : لم يكن بعرفة مسجد منذ كانت ، [ ص: 497 ] وإنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين ، وكان الإمام يخطب منها موضع يخطب اليوم ، ويصلي بالناس فيه .

وقد ذكر الأزرقي : أن من حد الحرم إلى هذا المسجد ألف ذراع وستمائة ذراع وخمسة أذرع ، وأنه من الغار الذي بعرنة ، وهو منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المسجد : ألفا ذراع ، وأحد عشر ذراعا .

ويسمون هذا المسجد : مسجد إبراهيم ، وربما قال : ... ، وهذا المسجد ببطن عرنة وليس هو من عرفات ، فتكون الخطبة والصلاة يوم عرفة ببطن عرنة .

وقد أعرض جمهور الناس في زماننا عن أكثر هذه السنن ، فيوافون عرفة من أول النهار ، وربما دخلها كثير منهم ليلا ، وبات بها ، وأوقد النيران بها ، وهذا بدعة [ ص: 498 ] وخلاف للسنة ويتركون إتيان نمرة والنزول بها ; فإنها عن يمين الذي يأتي عرفة من طريق المأزمين يماني المسجد الذي هناك كما تقدم تحديدها ، ومن قصد عرفات من طريق ضب كانت على طريقه .

ولا يجمعون الصلاتين ببطن عرنة بالمسجد هناك ، ولا يعجلون الوقوف الذي هو الركوب وشد الأحمال ، بل يخلطون موضع النزول أول النهار بموضع الصلاة والخطبة ، بموضع الوقوف ، ويتخذون الموقف سوقا ، وإنما كانت الأسواق بين الحرم والموقف ... ، فإذا لم يفعل الإمام فمن أمكنه ...

التالي السابق


الخدمات العلمية