الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر تعالى بفعله بمن تابع موسى عليه السلام، أخبر عن فعله معه بما علم به أنه عاجز فقال: وقال فرعون أي أعظم الكفرة في ذلك الوقت لرؤساء أتباعه عندما علم أنه عاجز عن قتله وملاه ما رأى منه خوفا وذعرا، دافعا عن نفسه ما يقال من أنه ما ترك موسى عليه السلام مع استهانته به إلا عجزا عنه، موهما أن آله هم الذين يردونه عنه، وأنه لولا ذلك قتله: ذروني أي اتركوني [ ص: 51 ] على أي حالة كانت أقتل موسى وزاد في إيهام الأغبياء والمناداة على نفسه عند البصراء بالفضيحة بقوله: وليدع ربه أي الذي يدعوه ويدعي إحسانه إليه بما يظهر على يديه من هذه الخوارق، ثم علل ذلك بقوله مؤكدا إعلاما بأنه الأمر صعب جدا لأنه كان منهم من يوهي أمره بأنه لا يؤثر ما هو فيه شيئا أصلا تقربا إلى فرعون، وإظهارا للثبات على متابعته إني أخاف أي إن تركته أن يبدل دينكم أي الذي أنتم عليه من نسبة الفعل إلى الطبيعة بما يدعو إليه من عبادة إلهه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ألهبهم بهذا الكلام إلى ممالأتهم له على موسى عليه السلام، زاد في ذلك بقوله: أو أن يظهر أي بسببه - على قراءة الجماعة بفتح حرف المضارعة في الأرض أي كلها الفساد وقرأ المدنيان والبصريان وحفص بالضم إسنادا إلى ضمير موسى عليه السلام وبنصب الفساد أي بفساد المعائش فإنه إذا غلب علينا قوي على من سوانا، فسفك الدماء وسبى الذرية، وانتهب الأموال، ففسدت الدنيا مع فساد الدين، فسمى اللعين الصلاح - لمخالفته لطريقته الفاسدة - فسادا كما هو [ ص: 52 ] شأن كل مفسد مع المصلحين، وقرأ الكوفيون ويعقوب "أو أن" بمعنى أنه يخاف وقوع أحد الأمرين: التبديل أو ظهور ما هو عليه مما سماه فسادا، وإن لم يحصل التبديل عاجلا فإنه يحصل به الوهن.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية