الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في سنن الإحرام

                                                                                                                                                                        من سننه : الغسل إذا أراده . يستوي في استحبابه ، الرجل ، والصبي ، والحائض ، والنفساء . ولو أمكن الحائض المقام بالميقات حتى تطهر ، فالأفضل أن تؤخر الإحرام حتى تطهر ، فتغتسل ليقع إحرامها في أكمل أحوالها . وحكي قول أن الحائض والنفساء لا يسن لهما الغسل ، وهو شاذ ضعيف . وإذا اغتسلتا نوتا . ولإمام الحرمين في نيتهما احتمال . فإن عجز المحرم عن الماء تيمم ، نص عليه في " الأم " . وذكرنا في غسل الجمعة احتمالا للإمام أنه لا تيمم ، وذاك عائد هنا . وإذا وجد ماء لا يكفيه للغسل ، توضأ ، قاله في " التهذيب " .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي قاله في " التهذيب " قاله أيضا المحاملي . فإن أراد أنه يتوضأ ، ثم يتيمم ، فحسن . وإن أراد الاقتصار على الوضوء ، فليس بجيد ؛ لأن المطلوب هو الغسل ، فالتيمم يقوم مقامه دون الوضوء . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 70 ] ويسن الغسل للحاج في مواطن . أحدها : عند الإحرام . والثاني : لدخول مكة . والثالث : للوقوف بعرفة . والرابع : للوقوف بمزدلفة بعد الصبح يوم النحر . والخامس ، والسادس ، والسابع : ثلاثة أغسال لرمي جمار أيام التشريق . وهذه الأغسال ، نص عليها الشافعي - رحمة الله عليه - قديما وجديدا . ويستوي في استحبابها الرجل والمرأة . وحكم الحائض ومن لم يجد ماء ، كما سبق في غسل الإحرام .

                                                                                                                                                                        وزاد في القديم ثلاثة أغسال : لطواف الإفاضة ، والوداع ، وللحلق ، ولم يستحبه لرمي جمرة العقبة اكتفاء بغسل العيد ؛ ولأن وقته متسع ، بخلاف رمي أيام التشريق .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الشافعي - رحمه الله - في " الأم " : أكره ترك الغسل للإحرام . وهذا الذي ذكره في الغسل الرابع : أنه للوقوف بمزدلفة ، هو الذي ذكره الجمهور ، وكذا نص عليه في " الأم " . وجعل المحاملي في كتبه ، وسليم الرازي ، والشيخ نصر المقدسي الغسل الرابع للمبيت بالمزدلفة ، ولم يذكروا غسل الوقوف بها . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يستحب أن يتأهب للإحرام بحلق العانة ، ونتف الإبط وقص الشارب ، وقلم الأظفار ، وغسل الرأس بسدر أو خطمي ونحوه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يستحب أن يتطيب للإحرام . وسواء الطيب الذي يبقى له أثر وجرم بعد الإحرام ، والذي لا يبقى ، وسواء الرجل والمرأة ، هذا هو المذهب . وحكي [ ص: 71 ] وجه : أن التطيب مباح ، ليس بمستحب . وقول : أنه لا يستحب للنساء بحال . ووجه : أنه يحرم عليهن التطيب بما تبقى عينه . ثم إذا تطيب فله استدامته بعد الإحرام بخلاف المرأة إذا تطيبت ثم لزمتها عدة تلزمها إزالة الطيب في وجه ؛ لأن العدة حق آدمي ، فالمضايقة فيه أكثر . ولو أخذ الطيب من موضعه بعد الإحرام ورده إليه ، أو إلى موضع آخر لزمه الفدية على المذهب . وقيل : قولان . ولو انتقل من موضع إلى موضع آخر بالعرق ، فالأصح : أنه لا شيء عليه .

                                                                                                                                                                        والثاني : عليه الفدية إن تركه . هذا كله في تطييب البدن . وفي تطييب إزار الإحرام وردائه وجهان . وقيل : قولان . أصحهما : الجواز كالبدن . والثاني : التحريم ؛ لأنه يلبس مرة بعد أخرى . ووجه ثالث : إن بقي عينه بعد الإحرام ، لم يجز ، وإلا جاز . وهذا الخلاف ، فيمن قصد تطييب الثوب . أما من طيب بدنه فتعطر ثوبه تبعا ، فلا بأس بلا خلاف . فإن جوزنا تطييب الثوب للإحرام ، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإحرام ، كالبدن . فلو نزعه ثم لبسه ، لزمه الفدية على الأصح كما لو أخذ الطيب من بدنه ، ثم رده إليه ، أو ابتدأ لبس ثوب مطيب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يستحب للمرأة أن تخضب يديها إلى الكوعين بالحناء قبل الإحرام ، وتمسح وجهها أيضا بشيء من الحناء لتستر البشرة ، فإنها تؤمر بكشفهما ، ولا فرق في استحباب الخضاب للمحرمة بين المزوجة وغيرها . وأما في غير الإحرام ، فيستحب للمزوجة الخضاب ، ويكره لغيرها . وحيث استحببناه ، فإنما يستحب تعميم اليد دون النقش والتسويد والتطريف ، وهو خضب أطراف الأصابع . ويكره لها الخضاب بعد الإحرام .

                                                                                                                                                                        [ ص: 72 ] قلت : سواء في استحباب الخضاب العجوز والشابة . ولا تختضب الخنثى ، كما لا يختضب الرجل . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        فإذا أراد الإحرام ، نزع المخيط ، ولبس إزارا ورداء ونعلين . ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين جديدين ، وإلا فمغسولين ، ويكره المصبوغ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يستحب أن يصلي قبل الإحرام ركعتين . فإن أحرم في وقت فريضة فصلاها ، أغنته عن ركعتي الإحرام . وإن كان في وقت الكراهة ، لم يصلهما على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : والمستحب ، أن يقرأ فيهما : ( قل يا أيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) . قال أصحابنا : فإن كان في الميقات مسجد ، استحب أن يصليهما فيه . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        فإذا صلى نوى ولبى . وفي الأفضل قولان . أظهرهما : أن ينوي ويلبي حين تنبعث به دابته إلى صوب مكة ، إن كان راكبا ، أو حين يتوجه إلى الطريق ، إن كان ماشيا . والثاني : أن ينوي ويلبي عقب الصلاة وهو قاعد ، ثم يسير .

                                                                                                                                                                        [ ص: 73 ] قلت : وعلى القولين : يستحب أن يستقبل القبلة عند الإحرام . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية