الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل ) ( قوله الوكيل بالبيع والشراء لا يعقد مع من ترد شهادته له ) أي عند أبي حنيفة وقالا : يجوز بيعه منهم بمثل القيمة إلا من عبده ومكاتبه لأن التوكيل مطلق ولا تهمة إذ الأملاك متباينة والمنافع منقطعة بخلاف العبد لأنه بيع من نفسه لأن ما في يد العبد للمولى وكذا للمولى حق في كسب المكاتب وينقلب حقيقة بالعجز وله أن مواضع التهمة مستثناة من الوكالات وهذا موضع التهمة بدليل عدم قبول الشهادة ولأن المنافع بينهم متصلة فصار بيعا من نفسه من وجه ودخل في البيع الإجارة والصرف والسلم فهو على هذا الخلاف قيد بكونه وكيلا بلا تعميم لأنه لو أطلق له بأن قال : بع ممن شئت فإنه يجوز بيعه لهم بمثل القيمة وأطلق في منع عقده وهو مقيد بما إذا لم يكن بأكثر من القيمة فإن كان بأكثر جاز بلا خلاف وإن كان بأقل بغبن فاحش لا يجوز بالإجماع وإن كان بغبن يسير لا يجوز عنده خلافا لهما وإن كان بمثل القيمة فعنه روايتان وأطلق الوكيل فشمل المضارب إلا أنه إذا كان بمثل القيمة فإنه يجوز عنده باتفاق الروايات وشمل من ترد شهادته مفاوضة فهو كعبده وشريكه شركة عنان يجوز عقده معه إذا لم يكن ذلك من تجارتهما كذا في الخانية من السلم وفي الخلاصة لو باع من ابنه الصغير لا يجوز بالإجماع ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا كان ينبغي للشارحين أن يقولوا في تقرير قولهما إلا من عبده ومكاتبه ومفاوضه وابنه الصغير فالمستثنى من قولهما أربع وقيد العبد في المبسوط بغير المديون وفيه إشارة إلى أنه لو كان مديونا فإنه يجوز كذا في المعراج وقيد بقوله له لأنه لو عقد مع من ترد شهادته للموكل كأبيه وابنه ومكاتبه وعبده المديون جاز وكذا الوكيل العبد إذا باع من مولاه كذا في الخلاصة وأشار المؤلف بمنع عقد الوكيل إلى منع بيعه مرابحة ما اشتراه منهم بلا بيان قال في المعراج معزيا إلى الكافي ولو اشترى من هؤلاء عينا بثمن معلوم وأراد بيعه مرابحة لم يجز بلا بيان عنده خلافا لهما بناء على هذا الأصل ا هـ .

                                                                                        وأشار المؤلف إلى منع بيعه من نفسه بالأولى قال في البزازية : الوكيل بالبيع لا يملك شراءه لنفسه - [ ص: 167 ] لأن الواحد لا يكون مشتريا وبائعا فيبيعه من غيره ثم يشتريه منه وإن أمره الموكل أن يبيعه من نفسه أو أولاده الصغار أو ممن لا تقبل شهادته فباع منهم جاز ا هـ .

                                                                                        وفي السراج الوهاج لو أمره بالبيع من هؤلاء فإنه يجوز إجماعا إلا أن يبيعه من نفسه أو ولده الصغير أو عبده ولا دين عليه فلا يجوز قطعا وإن صرح له الموكل ا هـ .

                                                                                        وقيد بالكيل لأن الوصي لو باع منهم بمثل القيمة فإنه يجوز وإن حابا فيه لا يجوز وإن قل والمضارب كالوصي كذا في السراج الوهاج .

                                                                                        وفي جامع الفصولين لو باع القيم مال الوقف أو أجر ممن لا تقبل شهادته له لم يجز عند أبي حنيفة وفيه المتولي إذا أجر دار الوقف من ابنه البالغ أو أبيه لم يجز عند أبي حنيفة إلا بأكثر من أجر المثل كبيع الوصي ولو أجر من نفسه يجوز لو خيرا وإلا لا ا هـ .

                                                                                        ولو حذف قوله بالبيع والشراء لكان أولى ليدخل النكاح قال في البزازية وكله بتزويج فزوج ابنته الصغيرة لا يجوز ولو كبيرة أو ممن لا تقبل شهادته لها لا يجوز عنده خلافا لهما ا هـ .

                                                                                        وفي السراج الوهاج ولو اشترى الأب مال ولده الصغير بمثل القيمة أو بأكثر أو بأقل بمقدار ما يتغابن فيه صح الشراء وبما لا يتغابن فيه لا يصح وكذا لو باع ماله من ولده الصغير والجد أبو الأب كالأب عند عدمه ووصيه وأما حكم الوصي فهو كالأب والجد إذا عقد مع أجنبي وأما مع نفسه فقال الإمام : لا يجوز إن كان خيرا وذكر الطحاوي قول أبي يوسف معه وقال محمد : لا يجوز بحال ا هـ .

                                                                                        وتفسير الخيرية في وصايا الخانية وقيد بالعقد احترازا عن الوكيل بالقبض قال الحاكم في الكافي : ولو وكله بقبض دين له على أب الوكيل أو ولده أو مكاتب لولده أو عبده فقال الوكيل : قد قبضت الدين وهلك وكذبه الطالب فالقول قول الوكيل فإذا كان الوكيل عبدا فقال : قد قبضت من مولاي أو من عبد مولاي فهلك مني فهو مصدق أيضا فإن كان الوكيل ابن الطالب أو المطلوب فهو كذلك ا هـ .

                                                                                        [ ص: 166 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 166 ] ( فصل ) ( قوله لأنه لو أطلق له بأن قال : بع ممن شئت إلخ ) قال المقدسي : بع ممن شئت مستدرك لأن الوكيل بمجرد الوكالة يبيع ممن شاء فلا ينبغي إلا أن ينص على بيعه من هؤلاء حتى يكون إطلاقا ا هـ .

                                                                                        وأقول : كون الوكيل بمجرد الوكالة يبيع ممن شاء ممنوع فإن مواضع التهمة مستثناة عن الوكالة والبيع ممن ذكر موضع تهمة حموي كذا في حاشية مسكين ( قوله وأشار المؤلف إلى منع بيعه من نفسه بالأولى ) قال أبو السعود : الأولوية بالنسبة لمذهب الإمام وأما الصاحبان فلا يمنعان الوكيل من العقد مع من ترد شهادته له إذا كان بمثل القيمة إلا من عبده ومكاتبه بخلاف منعه من البيع من نفسه فإنهما مع الإمام فيه ( قوله قال في البزازية إلخ ) ذكر في نوع آخر : الوكيل بالبيع لا يملك شراءه لنفسه إلخ ومثله في الذخيرة حيث قال وفي وكالة الطحاوي : لا يجوز بيع الوكيل من نفسه أو ابن صغير له أو عبد له غير مديون وإن أمره الموكل بالبيع من هؤلاء أو أجاز له ما صنع جاز ا هـ .

                                                                                        وفي النهاية عن المبسوط لو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو ابن صغير له لم يجز وإن صرح الموكل بذلك لأن الواحد في باب البيع إذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الأحكام فإنه يكون مشتريا ومستقضيا قابضا مخاصما في العيب ومخاصما وفيه من التضاد ما لا يخفى ا هـ .

                                                                                        وهذا موافق لما يأتي عن السراج وكان في المسألة قولين والوجه ما في النهاية إلا إذا أجاز الموكل بعد البيع فلا يرد ما ذكره تأمل .

                                                                                        [ ص: 167 ] ( قوله وتفسير الخيرية في وصايا الخانية ) وعبارته فسر شمس الأئمة السرخسي الخيرية فقال : إذا اشترى الوصي مال اليتيم لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر يكون خيرا لليتيم وإن باع مال نفسه من اليتيم ما يساوي عشرة بثمانية يكون خيرا لليتيم انتهت




                                                                                        الخدمات العلمية