الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 89 ] ولنوضح ذلك بذكر ثمان مسائل ( المسألة الأولى ) قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الوضوء بنبيذ التمر قال تمرة طيبة وماء طهور ليس في اللفظ إلا أن التمرة طاهرة طيبة والماء طهور فيبقى إذا جمع بين التمرة والماء الطهور كيف يكون الحال هل يسلب الطهورية أم لا لم يتعرض لذلك فيحتمل أن يريد أن كل واحد منهما بقي على حاله لم يتغير عن وصفه فلذلك وصفهما بما كانا عليه قبل الاجتماع ويحتمل أنهما تغيرا عن حالتهما الأولى فتفتتت التمرة واحمر الماء وحلا ومع ذلك فالماء طهور على حاله وهو مراد الحنفية وليس في اللفظ إشعار بالتفتت ولا بعدمه فقوله عليه الصلاة والسلام { تمرة طيبة وماء طهور } لم يتعرض في ذلك لما قبل التغير ولا لما بعده فإن قلت لو لم يتعرض لما بعد التغير لم يكن الجواب حاصلا فإنه عليه السلام إنما سئل عنهما بعد اجتماعهما قلت مسلم إنه سئل عنهما بعد اجتماعهما ولكنه لم يقل للسائل توضأ ولا لا تتوضأ بل اقتصر على ذكر وصفي المجتمعين ولم يتعرض للتغير ولا لعدمه فلا جرم لما تساوت الاحتمالات في ذلك سقط الاستدلال بالحديث على الجواز بعد التغير فإن الدال [ ص: 90 ] على الأعم غير دال على الأخص وحالة التغير أخص مما فهم من اللفظ من وصفي المجتمعين

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 89 ] قال ( ولنوضح ذلك بذكر ثمان مسائل : المسألة الأولى قوله عليه السلام { لما سئل عن الوضوء بنبيذ التمر قال تمرة طيبة وماء طهور } ليس في اللفظ إلا أن التمرة طاهرة طيبة والماء طهور فيبقى إذا جمع بين التمرة والماء الطهور كيف يكون الحال هل يسلب الطهورية أم لا لم يتعرض لذلك فيحتمل أن يريد أن كل واحد منهما بقي على حاله لم يتغير عن وصفه فلذلك وصفهما بما كانا عليه قبل الاجتماع ويحتمل أنهما تغيرا عن حالتهما الأولى فتفتتت التمرة واحمر الماء وحلا ومع ذلك فالماء طهور على حاله وهو مراد الحنفية وليس في اللفظ إشعار بالتفتت ولا بعدمه فقوله عليه السلام تمرة طيبة وماء طهور لم يتعرض في ذلك لما قبل التغير ولا لما بعده ) قلت لا يجوز على الشارع صلوات الله وسلامه عليه أن يسأل عن شيء ثم لا يجيب عنه ولا يجوز عليه أن يخبر بما لا فائدة فيه وهو صلى الله عليه وسلم إنما سئل عن الوضوء بالنبيذ والنبيذ اسم الماء المستنقع فيه التمر حتى يتغير حقيقة أما قبل التغير فلا يسمى بنبيذ إلا مجازا بمعنى أنه يئول إلى ذلك فلا شك أن ظاهر الحديث أنه أراد صلى الله عليه وسلم أن أصل النبيذ تمرة طيبة وماء طهور وأنه باق على حكم الأصل من الطيب والطهورية .

قال ( فإن قلت لو لم يتعرض لما قبل التغير لم يكن الجواب حاصلا فإنه عليه الصلاة والسلام إنما سئل عنهما بعد اجتماعهما قلت مسلم أنه سئل عنهما بعد اجتماعهما ولكنه لم يقل للسائل توضأ ولا لا تتوضأ بل اقتصر على ذكر وصفي المجتمعين ولم يتعرض للتغير ولا لعدمه فلا جرم لما تساوت الاحتمالات في ذلك سقط الاستدلال بالحديث على الجواز بعد التغير فإن الدال [ ص: 90 ] على الأعم غير دال على الأخص وحالة التغير أخص مما فهم من اللفظ من وصفي المجتمعين ) قلت السؤال وارد لازم وما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للسائل توضأ ولا لا توضأ ليس بصحيح بل قال توضأ لكن لا باللفظ ولكن باقتضاء المساق وضرورة حمل كلامه صلى الله عليه وسلم على الفائدة وعلى الجواب وما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذكر وصفي المجتمعين ليس كذلك بل لم يقتصر لضرورة المساق وحمل كلامه صلى الله عليه وسلم على الجواب وعلى الفائدة وما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للتغير ولا لعدمه ليس كما قال بل تعرض لذلك لأنه عن النبيذ سئل وهو المتغير على ما سبق بيانه وما قاله من أنه لما تساوت الاحتمالات سقط الاستدلال على الجواز بعد التغير ليس كما قال بل لم تتساو الاحتمالات ولا سقط الاستدلال وما قاله من أن الدال على الأعم غير دال على الأخص إلى آخر كلامه صحيح لكن ليس الأمر في المسألة من ذلك بل من الدال على الأخص بل من جهة أنه إنما سئل عن النبيذ وليس النبيذ إلا المتغير .

.



الخدمات العلمية