ولما كان التقدير بعد أن تقدم الوعد المؤكد بنصرة الرسل وأتباعهم: ولقد آتيناك الهدى والكتاب كما آتينا موسى، ولننصرنك مثل
[ ص: 90 ] ما نصرناه وإن زاد إبراق قومك وإرعادهم، فإنهم لا يعشرون
فرعون فيما كان فيه من الجبروت والقهر والعز والسلطان والمكر ولم ينفعه شيء منه، سبب عنه قوله:
nindex.php?page=treesubj&link=19570_20009_24406_30614_31009_33142_33678_34513_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55فاصبر [أي]: على أذاهم فإنا نوقع الأشياء في أتم محالها على ما بنينا عليه أحوال هذه الدار من إجراء المسببات على أسبابها، ثم علل ذلك بقوله صارفا القول عن مظهر العظمة الذي هو مدار النصرة إلى اسم الذات الجامع لجميع الكمالات التي من أعظمها إنفاذ الأمر وصدق الوعد:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55إن وعد الله [أي]: الذي له الكمال كله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55حق [أي]: في إظهار دينك وإعزاز أمرك، فقد رأيت ما اتفق
لموسى عليه السلام مع أجبر أهل ذلك الزمان وما كان له من العاقبة، قال
القشيري: nindex.php?page=treesubj&link=19580الصبر في انتظار الموعود من الحق على حسب الإيمان والتصديق، فمن كان تصديقه ويقينه أتم وأقوى كان صبره أكمل وأوفى.
ولما تكفل هذا الكلام من التثبيت بإنجاز المرام، وكان من الأمر المحتوم أن لزوم القربات يعلي الدرجات فيوصل إلى قوة التصرفات، أمر بالإعراض عن ارتقاب النصر والاشتغال بتهذيب الأحوال لتحصيل الكلام، موجها الخطاب إلى أعلى الخلق ليكون من دونه من باب الأولى [فقال]:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55واستغفر لذنبك أي: وهو كل عمل كامل ترتقي منه إلى أكمل، وحال فاضل تصعد منه إلى أفضل فيكون ذلك شكرا،
[ ص: 91 ] منك لأن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فتستن بك أمتك، وسماه ذنبا من باب "حسنات الأبرار سيئات المقربين" .
ولما أمره بالاستغفار عند الترقية في درجات الكمال، المطلع على بحور العظمة ومفاوز الجلال، أمره بالتنزيه عن شائبة نقص والإثبات لكل رتبة كمال، لافتا القول إلى صفة التربية والإحسان لأنه من أعظم مواقعها فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55وسبح أي: نزه ربك عن شائبة نقص كلما علمت بالصعود في مدارج الكمال نقص المخلوق في الذات والأعمال ملتبسا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55بحمد ربك أي: إثبات الإحاطة بأوصاف الكمال للمحسن إليك المربي لك، ولا تشتغل عنه بشيء فإن الأعمال من أسباب الظفر. ولما كان المقام لإثبات قيام الساعة، وكان العشي أدل عليها، قدمه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55بالعشي والإبكار فإن تقلبهما دائما دل على كمال مقلبهما وقدرته على إيجاد المعدوم الممحوق كما كان وتسويته، ومن مدلول الآية
nindex.php?page=treesubj&link=32774_32783الحث على صلاتي الصبح والعصر، وهما الوسطى لأنهما تشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: بل على الصلوات الخمس - نقله
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي . وذلك لأن العشي من زوال الشمس، والأبكار من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمَ الْوَعْدُ الْمُؤَكَّدُ بِنُصْرَةِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ الْهُدَى وَالْكِتَابَ كَمَا آتَيْنَا مُوسَى، وَلَنَنْصُرَنَّكَ مِثْلَ
[ ص: 90 ] مَا نَصَرْنَاهُ وَإِنَّ زَادَ إِبْرَاقُ قَوْمِكَ وَإِرْعَادُهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْشِرُونَ
فِرْعَوْنَ فِيمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالْقَهْرِ وَالْعِزِّ وَالسُّلْطَانِ وَالْمَكْرِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ مِنْهُ، سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=19570_20009_24406_30614_31009_33142_33678_34513_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55فَاصْبِرْ [أَيْ]: عَلَى أَذَاهُمْ فَإِنَّا نُوقِعُ الْأَشْيَاءَ فِي أَتَمِّ مِحَالِّهَا عَلَى مَا بَنَيْنَا عَلَيْهِ أَحْوَالَ هَذِهِ الدَّارِ مِنْ إِجْرَاءِ الْمُسَبِّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَارِفًا الْقَوْلَ عَنْ مَظْهَرِ الْعَظَمَةِ الَّذِي هُوَ مَدَارُ النُّصْرَةِ إِلَى اسْمِ الذَّاتِ الْجَامِعِ لِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ الَّتِي مِنْ أَعْظَمِهَا إِنْفَاذُ الْأَمْرِ وَصِدْقُ الْوَعْدِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ [أَيِ]: الَّذِي لَهُ الْكَمَالُ كُلُّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55حَقٌّ [أَيْ]: فِي إِظْهَارِ دِينِكَ وَإِعْزَازِ أَمْرِكَ، فَقَدْ رَأَيْتُ مَا اتَّفَقَ
لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَجْبَرَ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْعَاقِبَةِ، قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ: nindex.php?page=treesubj&link=19580الصَّبْرُ فِي انْتِظَارِ الْمَوْعُودِ مِنَ الْحَقِّ عَلَى حَسَبِ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ، فَمَنْ كَانَ تَصْدِيقُهُ وَيَقِينُهُ أَتَمَّ وَأَقْوَى كَانَ صَبْرُهُ أَكْمَلَ وَأَوْفَى.
وَلَمَّا تَكَفَّلَ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ التَّثْبِيتِ بِإِنْجَازِ الْمَرَامِ، وَكَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْتُومِ أَنَّ لُزُومَ الْقُرُبَاتِ يُعْلِي الدَّرَجَاتِ فَيُوصِلُ إِلَى قُوَّةِ التَّصَرُّفَاتِ، أَمَرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ ارْتِقَابِ النَّصْرِ وَالِاشْتِغَال بِتَهْذِيبِ الْأَحْوَالِ لِتَحْصِيلِ الْكَلَامِ، مُوَجِّهًا الْخِطَابَ إِلَى أَعْلَى الْخَلْقِ لِيَكُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى [فَقَالَ]:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أَيْ: وَهُوَ كُلُّ عَمَلٍ كَامِلٍ تَرْتَقِي مِنْهُ إِلَى أَكْمَلَ، وَحَالٌ فَاضِلٌ تَصْعَدُ مِنْهُ إِلَى أَفْضَلَ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُكْرًا،
[ ص: 91 ] مِنْكَ لِأَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَتَسْتَنُّ بِكَ أُمَّتُكَ، وَسَمَّاهُ ذَنْبًا مِنْ بَابِ "حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ" .
وَلَمَّا أَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ عِنْدَ التَّرْقِيَةِ فِي دَرَجَاتِ الْكَمَالِ، الْمُطَّلِعِ عَلَى بُحُورِ الْعَظَمَةِ وَمَفَاوِزِ الْجَلَالِ، أَمَرَهُ بِالتَّنْزِيهِ عَنْ شَائِبَةِ نَقْصٍ وَالْإِثْبَاتِ لِكُلِّ رُتْبَةِ كَمَالٍ، لَافِتًا الْقَوْلَ إِلَى صِفَةِ التَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَوَاقِعِهَا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55وَسَبِّحْ أَيْ: نَزِّهْ رَبَّكَ عَنْ شَائِبَةِ نَقْصٍ كُلَّمَا عَلِمْتَ بِالصُّعُودِ فِي مَدَارِجِ الْكَمَالِ نَقْصِ الْمَخْلُوقِ فِي الذَّاتِ وَالْأَعْمَالِ مُلْتَبِسًا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55بِحَمْدِ رَبِّكَ أَيْ: إِثْبَاتُ الْإِحَاطَةِ بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ لِلْمُحْسِنِ إِلَيْكَ الْمُرَبِّي لَكَ، وَلَا تَشْتَغِلْ عَنْهُ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ أَسْبَابِ الظَّفْرِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ لِإِثْبَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَكَانَ الْعَشِيُّ أَدَلَّ عَلَيْهَا، قَدَّمَهُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ فَإِنْ تَقَلُّبَهُمَا دَائِمًا دَلَّ عَلَى كَمَالِ مُقَلِّبِهِمَا وَقُدْرَتِهِ عَلَى إِيجَادِ الْمَعْدُومِ الْمَمْحُوقِ كَمَا كَانَ وَتَسْوِيَتِهِ، وَمِنْ مَدْلُولِ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32774_32783الْحَثُّ عَلَى صَلَاتَيِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَهُمَا الْوُسْطَى لِأَنَّهُمَا تَشْهَدُهُمَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بَلْ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ - نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13889الْبَغَوِيُّ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَشِيَّ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَالْأَبْكَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.