القسم الثامن
nindex.php?page=treesubj&link=28914الإيضاح بعد الإبهام ليرى المعنى في صورتين ، أو ليكون بيانه بعد التشوف إليه ; لأنه يكون ألذ للنفس ، وأشرف عندها ، وأقوى لحفظها وذكرها ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ( الحجر : 66 ) .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد ( الإخلاص : 1 ) فإن وضع الضمير موضع الظاهر معناه البيان أو الحديث ، أو الأمر لله أحد مكفوا بها ثم فسر ، وكان أوقع في النفس من الإتيان به مفسرا من أول الأمر ; ولذلك وجب تقديمه .
وتفيد به الجملة المراد ; تعظيما له .
وسيأتي عكسه في وضع الظاهر موضع المضمر .
ومثله التفصيل بعد الإجمال ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ( التوبة : 36 ) .
وعكسه كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ( البقرة : 196 ) .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ( الأعراف : 142 ) وأعاد قوله : ( أربعين ) وإن كان معلوما من " الثلاثين " و " العشر " أنها أربعون لنفي اللبس ; لأن العشر لما أتت بعد الثلاثين التي هي نص في
[ ص: 56 ] المواعدة دخلها الاحتمال أن تكون من غير المواعدة ، فأعاد ذكر " الأربعين " نفيا لهذا الاحتمال ، وليعلم أن جميع العدد للمواعدة .
وهكذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ( البقرة : 196 ) أعاد ذكر العشرة ، لما كانت الواو تجيء في بعض المواضع للإباحة ، وقوله : ( كاملة ) تحقيق لذلك ، وتأكيد له .
فإن قلت : فإذا كان زمن المواعدة أربعين فلم كانت " ثلاثين " ثم عشرا ؟ أجاب
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في " التكميل والإفهام " بأن العشر إنما فصل من أولئك ; ليتحدد قرب انقضاء المواعدة ، ويكون فيه متأهبا مجتمع الرأي ، حاضر الذهن ; لأنه لو ذكر الأربعين أولا لكانت متساوية ، فإذا جعل العشر فيها إتماما لها استشعرت النفس قرب التمام ، وتجدد بذلك عزم لم يتقدم .
قال : وهذا شبيه بالتلوم الذي جعله الفقهاء في الآجال المضروبة في الأحكام ، ويفصلونه من أيام الأجل ، ولا يجعلونها شيئا واحدا ; ولعلهم استنبطوه من هذا .
فإن قلت : فلم ذكر في هذه السورة - أعني الأعراف - الثلاثين ثم العشر ، وقال في البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=51وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ( البقرة : 51 ) ولم يفصل العشر منها .
والجواب ، والله أعلم : أنه قصد في الأعراف ذكر صفة المواعدة ، والإخبار عن كيفية وقوعها ، فذكر على صفتها ، وفي البقرة إنما ذكر الامتنان على بني إسرائيل بما أنعم به عليهم ، فذكر نعمه عليهم مجملة ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وإذ فرقنا بكم البحر ( البقرة : 50 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=49وإذ نجيناكم من آل فرعون ( البقرة : 49 ) .
[ ص: 57 ] واعلم أنه يخرج لنا مما سبق جوابان في ذكر العشرة بعد الثلاثة والسبعة : إما الإجمال بعد التفصيل ، وإما رفع الالتباس ، ويضاف إلى ذلك أجوبة . ثالثها : أنه قصد رفع ما قد يهجس في النفوس ، من أن المتمتع إنما عليه صوم سبعة أيام لا أكثر ; ثلاثة منها في الحج ، ويكمل سبعا إذا رجع .
رابعها : أن قاعدة الشريعة أن الجنسين في الكفارة لا يجب على المكفر الجمع بينهما ، فلا يلزم الحالف أن يطعم المساكين ويكسوهم ، ولا المظاهر العتق والصوم ، فلما اختلف محل هذين الصومين فكانت ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع ، صارا باختلاف المحلين كالجنسين ، والجنسان لا يجمع بينهما .
وأفادت هذه الزيادة ، وهي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تلك عشرة كاملة ( البقرة : 196 ) رفع ما قد يهجس في النفوس ، من أنه إنما عليه أحد النوعين : إما الثلاث وإما السبع .
الخامس : أن المقصود ذكر كمال لا ذكر العشرة ، فليست العشرة مقصودة بالذات ; لأنها لم تذكر إلا للإعلام بأن التفصيل المتقدم عشرة ; لأن ذلك من المعلوم بالضرورة ، وإنما ذكرت لتوصف بالكمال الذي هو مطلوب في القصة .
السادس : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير : فصيام عشرة أيام : ثلاثة في الحج ، وسبعة إذا رجعتم ، وهذا وإن كان خلاف الأصل لكن الإشكال ألجأنا إليه .
السابع : أن الكفارات في الغالب إنما تجب متتابعة ، ككفارات الجنايات ، ولما فصل هاهنا بين صوم هذه الكفارة بالإفطار قبل صومها بذكر الفدية ; ليعلم أنها وإنما كانت منفصلة فهي كالمتصلة .
فإن قلت : فكفارة اليمين لا تجب متتابعة ، ومن جنس هذه الكفارة ما يجب على
[ ص: 58 ] المحرم إذا حلق ثلاث شعرات ، ومن عجز عن الفدية فإنه يصوم ثلاثة أيام ، ولا يشترط التتابع .
قلت : هي في حكم المتتابعة بالنسبة إلى الثواب ; إلا أن الشرع خفف بالتفريق .
ثامنها : أن السبع قد تذكر والمراد به الكثرة لا العدد ، والذي فوق الستة ودون الثمانية ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو بن العلاء nindex.php?page=showalam&ids=12585وابن الأعرابي عن العرب : سبع الله لك الأجر ; أي : أكثر ذلك ، يريدون التضعيف .
وقال
الأزهري في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80إن تستغفر لهم سبعين مرة ( التوبة : 80 ) : " هو جمع السبع ، الذي يستعمل للكثرة ، وإذا كان كذلك فاحتمل أن يتوهم أن المراد بالسبع ما هو أكثر من السبع ، ولفظها معطوف على الثلاثة بآلة الجمع ، فيفضي إلى الزيادة في الكفارة على العدد المشروع ، فيجب حينئذ رفع هذا الاحتمال بذكر الفذلكة ; وللعرب مستند قوي في إطلاق السبع والسبعة ، وهي تريد الكثرة ليس هذا موضع ذكره " .
تاسعها : أن الثلاثة لما عطف عليها السبعة احتمل أن يأتي بعدها ثلاثة أو غيرها من الأعداد ، فقيد بالعشرة ; ليعلم أن المراد كمل ، وقطع الزيادة المفضية للتسلسل .
عاشرها : أن السبعة المذكورة عقب الثلاثة يحتمل أن تكون الثلاثة داخلة فيها ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ( فصلت : 10 ) أي : مع اليومين اللذين خلق الأرض فيهما ، فلا بد من اعتقاد هذا التأويل ; ليندفع ظاهر التناقض ، فجاء التقييد بالعشرة لرفع توهم التداخل .
وهذا الجواب أشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، ونقل عن الشيخ
عز الدين بن عبد السلام [ ص: 59 ] ترجيحه ، وردده
ابن أبي الإصبع ; لأن احتمال التداخل لا يظن إلا بعددين منفصلين لم يأت بهما جملة ، فلو اقتصر على التفصيل احتمل ذلك ; فالتقييد مانع من هذا الاحتمال .
وهذا أعجب منه فإن مجيء الجملة رافع لذلك الاحتمال .
الحادي عشر : أن حروف السبعة والتسعة مشتبهة ، فأزيل الإشكال بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تلك عشرة كاملة ( البقرة : 196 ) ; لئلا يقرءوها " تسعة " فيصير العدد اثني عشر ، ونظير هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018682إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ; لإزالة إلباس التسعة والتسعين بالسبعة والسبعين ، لكن مثل هذا مأمون في القرآن ; لأن الله حفظه .
الْقِسْمُ الثَّامِنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الْإِيضَاحُ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لِيُرَى الْمَعْنَى فِي صُورَتَيْنِ ، أَوْ لِيَكُونَ بَيَانُهُ بَعْدَ التَّشَوُّفِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ أَلَذُّ لِلنَّفْسِ ، وَأَشْرَفُ عِنْدَهَا ، وَأَقْوَى لِحِفْظِهَا وَذِكْرِهَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ( الْحِجْرِ : 66 ) .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( الْإِخْلَاصِ : 1 ) فَإِنَّ وَضْعَ الضَّمِيرِ مَوْضِعَ الظَّاهِرِ مَعْنَاهُ الْبَيَانُ أَوِ الْحَدِيثُ ، أَوِ الْأَمْرُ لِلَّهِ أَحَدٌ مَكْفُوًّا بِهَا ثُمَّ فُسِّرَ ، وَكَانَ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ مُفَسَّرًا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ ; وَلِذَلِكَ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ .
وَتُفِيدُ بِهِ الْجُمْلَةُ الْمُرَادَ ; تَعْظِيمًا لَهُ .
وَسَيَأْتِي عَكْسُهُ فِي وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ .
وَمِثْلُهُ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ( التَّوْبَةِ : 36 ) .
وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ( الْبَقَرَةِ : 196 ) .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ( الْأَعْرَافِ : 142 ) وَأَعَادَ قَوْلَهُ : ( أَرْبَعِينَ ) وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنَ " الثَّلَاثِينِ " وَ " الْعَشْرِ " أَنَّهَا أَرْبَعُونَ لِنَفْيِ اللَّبْسِ ; لِأَنَّ الْعَشْرَ لَمَّا أَتَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِينِ الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِي
[ ص: 56 ] الْمُوَاعَدَةِ دَخَلَهَا الِاحْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْمُوَاعَدَةِ ، فَأَعَادَ ذِكْرَ " الْأَرْبَعِينِ " نَفْيًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ ، وَلِيُعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْعَدَدِ لِلْمُوَاعَدَةِ .
وَهَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ( الْبَقَرَةِ : 196 ) أَعَادَ ذِكْرَ الْعَشَرَةِ ، لَمَّا كَانَتِ الْوَاوُ تَجِيءُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِلْإِبَاحَةِ ، وَقَوْلُهُ : ( كَامِلَةٌ ) تَحْقِيقٌ لِذَلِكَ ، وَتَأْكِيدٌ لَهُ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَإِذَا كَانَ زَمَنُ الْمُوَاعَدَةِ أَرْبَعِينَ فَلِمَ كَانَتْ " ثَلَاثِينَ " ثُمَّ عَشْرًا ؟ أَجَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " التَّكْمِيلِ وَالْإِفْهَامِ " بِأَنَّ الْعَشْرَ إِنَّمَا فُصِلَ مِنْ أُولَئِكَ ; لِيَتَحَدَّدَ قُرْبُ انْقِضَاءِ الْمُوَاعَدَةِ ، وَيَكُونُ فِيهِ مُتَأَهِّبًا مُجْتَمِعَ الرَّأْيِ ، حَاضِرَ الذِّهْنِ ; لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الْأَرْبَعِينَ أَوَّلًا لَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةً ، فَإِذَا جَعَلَ الْعَشْرَ فِيهَا إِتْمَامًا لَهَا اسْتَشْعَرَتِ النَّفْسُ قُرْبَ التَّمَامِ ، وَتَجَدَّدَ بِذَلِكَ عَزْمٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ .
قَالَ : وَهَذَا شَبِيهٌ بِالتَّلَوُّمِ الَّذِي جَعَلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْآجَالِ الْمَضْرُوبَةِ فِي الْأَحْكَامِ ، وَيُفْصِلُونَهُ مِنْ أَيَّامِ الْأَجَلِ ، وَلَا يَجْعَلُونَهَا شَيْئًا وَاحِدًا ; وَلَعَلَّهُمُ اسْتَنْبَطُوهُ مِنْ هَذَا .
فَإِنْ قُلْتَ : فَلِمَ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ - أَعْنِي الْأَعْرَافَ - الثَّلَاثِينَ ثُمَّ الْعَشْرَ ، وَقَالَ فِي الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=51وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ( الْبَقَرَةِ : 51 ) وَلَمْ يَفْصِلِ الْعَشْرَ مِنْهَا .
وَالْجَوَابُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ : أَنَّهُ قَصَدَ فِي الْأَعْرَافِ ذِكْرَ صِفَةِ الْمُوَاعَدَةِ ، وَالْإِخْبَارَ عَنْ كَيْفِيَّةِ وُقُوعِهَا ، فَذَكَرَ عَلَى صِفَتِهَا ، وَفِي الْبَقَرَةِ إِنَّمَا ذَكَرَ الِامْتِنَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ ، فَذَكَرَ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ مُجْمَلَةً ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ ( الْبَقَرَةِ : 50 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=49وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ( الْبَقَرَةِ : 49 ) .
[ ص: 57 ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَخْرُجُ لَنَا مِمَّا سَبَقَ جَوَابَانِ فِي ذِكْرِ الْعَشَرَةِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ : إِمَّا الْإِجْمَالُ بَعْدَ التَّفْصِيلِ ، وَإِمَّا رَفْعُ الِالْتِبَاسِ ، وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ . ثَالِثُهَا : أَنَّهُ قَصَدَ رَفْعَ مَا قَدْ يَهْجِسُ فِي النُّفُوسِ ، مِنْ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِنَّمَا عَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا أَكْثَرَ ; ثَلَاثَةً مِنْهَا فِي الْحَجِّ ، وَيُكْمِلُ سَبْعًا إِذَا رَجَعَ .
رَابِعُهَا : أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَفِّرِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ أَنْ يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ وَيَكْسُوَهُمْ ، وَلَا الْمَظَاهِرَ الْعِتْقُ وَالصَّوْمُ ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ مَحِلُّ هَذَيْنِ الصَّوْمَيْنِ فَكَانَتْ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ ، صَارَا بِاخْتِلَافِ الْمَحِلَّيْنِ كَالْجِنْسَيْنِ ، وَالْجِنْسَانِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا .
وَأَفَادَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ ، وَهِيَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ( الْبَقَرَةِ : 196 ) رَفْعَ مَا قَدْ يَهْجِسُ فِي النُّفُوسِ ، مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا عَلَيْهِ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ : إِمَّا الثَّلَاثُ وَإِمَّا السَّبْعُ .
الْخَامِسُ : أَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ كَمَالٍ لَا ذِكْرُ الْعَشَرَةِ ، فَلَيْسَتِ الْعَشَرَةُ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ إِلَّا لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ عَشَرَةٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ لِتُوصَفَ بِالْكَمَالِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبٌ فِي الْقِصَّةِ .
السَّادِسُ : أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ، وَالتَّقْدِيرُ : فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ : ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ ، وَسَبْعَةٌ إِذَا رَجَعْتُمْ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ لَكِنَّ الْإِشْكَالَ أَلْجَأَنَا إِلَيْهِ .
السَّابِعُ : أَنَّ الْكَفَّارَاتِ فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا تَجِبُ مُتَتَابِعَةً ، كَكَفَّارَاتِ الْجِنَايَاتِ ، وَلَمَّا فَصَلَ هَاهُنَا بَيْنَ صَوْمِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِفْطَارِ قَبْلَ صَوْمِهَا بِذِكْرِ الْفِدْيَةِ ; لِيُعْلَمَ أَنَّهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً فَهِيَ كَالْمُتَّصَلَةِ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَا تَجِبُ مُتَتَابِعَةً ، وَمِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ مَا يَجِبُ عَلَى
[ ص: 58 ] الْمُحْرِمِ إِذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ ، وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ .
قُلْتُ : هِيَ فِي حُكْمِ الْمُتَتَابِعَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّوَابِ ; إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ خَفَّفَ بِالتَّفْرِيقِ .
ثَامِنُهَا : أَنَّ السَّبْعَ قَدْ تُذْكَرُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لَا الْعَدَدُ ، وَالَّذِي فَوْقَ السِّتَّةِ وَدُونَ الثَّمَانِيَةِ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=12585وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنِ الْعَرَبِ : سَبَّعَ اللَّهُ لَكَ الْأَجْرَ ; أَيْ : أَكْثَرَ ذَلِكَ ، يُرِيدُونَ التَّضْعِيفَ .
وَقَالَ
الْأَزْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ( التَّوْبَةِ : 80 ) : " هُوَ جَمْعُ السَّبْعِ ، الَّذِي يُسْتَعْمَلُ لِلْكَثْرَةِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبْعِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنَ السَّبْعِ ، وَلَفْظُهَا مَعْطُوفٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِآلَةِ الْجَمْعِ ، فَيُفْضِي إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوعِ ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ رَفْعُ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِذِكْرِ الْفَذْلَكَةِ ; وَلِلْعَرَبِ مُسْتَنَدٌ قَوِيٌّ فِي إِطْلَاقِ السَّبْعِ وَالسَّبْعَةِ ، وَهِيَ تُرِيدُ الْكَثْرَةَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهِ " .
تَاسِعُهَا : أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَمَّا عُطِفَ عَلَيْهَا السَّبْعَةُ احْتَمَلَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهَا ثَلَاثَةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْأَعْدَادِ ، فَقُيِّدَ بِالْعَشَرَةِ ; لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ كَمُلَ ، وَقَطَعَ الزِّيَادَةَ الْمُفْضِيَةَ لِلتَّسَلْسُلِ .
عَاشِرُهَا : أَنَّ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ عَقِبَ الثَّلَاثَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ دَاخِلَةً فِيهَا ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ( فُصِّلَتْ : 10 ) أَيْ : مَعَ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ خَلَقَ الْأَرْضَ فِيهِمَا ، فَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِقَادِ هَذَا التَّأْوِيلِ ; لِيَنْدَفِعَ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ ، فَجَاءَ التَّقْيِيدُ بِالْعَشَرَةِ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ التَّدَاخُلِ .
وَهَذَا الْجَوَابُ أَشَارَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَنُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ
عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ [ ص: 59 ] تَرْجِيحُهُ ، وَرَدَّدَهُ
ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ ; لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّدَاخُلِ لَا يُظَنُّ إِلَّا بِعَدَدَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا جُمْلَةً ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى التَّفْصِيلِ احْتَمَلَ ذَلِكَ ; فَالتَّقْيِيدُ مَانِعٌ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ .
وَهَذَا أَعْجَبُ مِنْهُ فَإِنَّ مَجِيءَ الْجُمْلَةِ رَافِعٌ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ .
الْحَادِي عَشَرَ : أَنَّ حُرُوفَ السَّبْعَةِ وَالتِّسْعَةِ مُشْتَبِهَةٌ ، فَأُزِيلَ الْإِشْكَالُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ( الْبَقَرَةِ : 196 ) ; لِئَلَّا يَقْرَءُوهَا " تِسْعَةً " فَيَصِيرُ الْعَدَدُ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018682إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ; لِإِزَالَةِ إِلْبَاسِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ بِالسَّبْعَةِ وَالسَّبْعِينَ ، لَكِنَّ مِثْلَ هَذَا مَأْمُونٌ فِي الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ اللَّهَ حَفِظَهُ .