الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        باب

                                                                                                                                                                        دخول مكة زادها الله شرفا وما يتعلق به

                                                                                                                                                                        السنة أن يدخل المحرم بالحج مكة قبل الوقوف بعرفة . ولدخوله سنن . منها : الغسل بذي طوى ، وأن يدخل من ثنية كداء - بفتح الكاف والمد - وهي بأعلى مكة . وإذا خرج ، خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - بأسفل [ ص: 75 ] مكة . والذي يشعر به كلام الأكثرين : أنها بالمد أيضا . ويدل عليه أنهم كتبوها بالألف ، ومنهم من قالها بالياء .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب الذي أطبق عليه المحققون من أهل الضبط : أن الثنية السفلى - بالقصر وتنوين الدال - ولا اعتداد بشياع خلافه عند غيرهم . وأما كتابته بالألف ، فليست ملازمة للمد . والثنية : الطريق الضيق بين جبلين ، وهذه الثنية عند جبل قعيقعان . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : وهذه السنة في حق من جاء من طريق المدينة والشام .

                                                                                                                                                                        فأما الآتي من غيرها ، فلا يؤمر أن يدور حول مكة ليدخل من ثنية كداء ، وكذا الغسل بذي طوى . قالوا : وإنما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من تلك الثنية اتفاقا لا قصدا . ومقتضى هذا : أن لا يتعلق نسك بالدخول منها للآتي من جهة المدينة . وكذا قاله الصيدلاني ، وقال الشيخ أبو محمد : ليست الثنية على طريق المدينة ، بل عدل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال : فيستحب الدخول منها لكل آت . ووافق إمام الحرمين الجمهور ، وسلم للشيخ بأن موضع الثنية على ما ذكره .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح : أن يستحب الدخول من الثنية لكل آت من أي جهة . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هل الأفضل دخول مكة ماشيا ، أم راكبا ؟ وجهان . فإن دخل ماشيا ، فقيل : الأولى أن يكون حافيا .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : ماشيا أفضل ، وله دخول مكة ليلا ونهارا بلا كراهة ، فقد ثبتت السنة فيهما . والأصح : أن النهار أفضل ، وبه قال أبو إسحاق ، واختاره [ ص: 76 ] صاحب " التهذيب " وغيره . وقال القاضي أبو الطيب وغيره : هما سواء في الفضيلة . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يستحب إذا وقع بصره على البيت أن يرفع يديه ويقول : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه ، أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا . ويضيف إليه : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام . ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا ، وأهمها سؤال المغفرة .

                                                                                                                                                                        واعلم أن بناء البيت رفيع يرى قبل دخول المسجد في موضع يقال له : رأس الردم ، إذا دخل من أعلى مكة . وحينئذ يقف ويدعو بما ذكرنا . فإذا فرغ من الدعاء قصد المسجد ودخله من باب بني شيبة ، وهذا مستحب لكل قادم بلا خلاف . ويبتدئ عند دخوله بطواف القدوم ، ويؤخر اكتراء منزله وتغيير ثيابه إلى أن يفرغ طوافه . فلو دخل والناس في مكتوبة ، صلاها معهم أولا .

                                                                                                                                                                        وكذا لو أقيمت الجماعة وهو في أثناء الطواف ، قدم الصلاة ، وكذا لو خاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة . ولو قدمت المرأة نهارا وهي جميلة ، أو شريفة لا تبرز للرجال ، أخرت الطواف إلى الليل ، وليس في حق من دخل مكة بعد الوقوف طواف قدوم ، إنما هو لمن دخلها أولا . ويسمى طواف القدوم أيضا طواف الورود وطواف التحية ؛ لأنه تحية البقعة . ويأتي به كل من دخلها ، سواء كان تاجرا ، أو حاجا ، أو غيرهما . ولو كان معتمرا فطاف للعمرة أجزأه عن طواف القدوم ، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية