الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 370 ] يوم لا يخزي الله النبيء والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير .

( يوم ) ظرف متعلق ب ( يدخلكم جنات ) وهو تعليق تخلص إلى الثناء على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه . وهو يوم القيامة وهذا الثناء عليهم بانتفاء خزي الله عنهم تعريض بأن الذين لم يؤمنوا معه يخزيهم الله يوم القيامة وذكر النبيء - صلى الله عليه وسلم - مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين ولا علاقة له بالتعريض .

والخزي : هو عذاب النار ، وحكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام قوله ( ولا تخزني يوم يبعثون ) على أن انتفاء الخزي يومئذ يستلزم الكرامة إذ لا واسطة بينهما كما أشعر به قوله تعالى ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) .

وفي صلة ( الذين آمنوا معه ) إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم .

ومعية المؤمنين مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - صحبتهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - .

و ( مع ) يجوز تعلقها بمحذوف حال من ( الذين آمنوا ) أي حال كونهم مع الشيء في انتفاء خزي الله عنهم فيكون عموم ( الذين آمنوا ) مخصوصا بغير الذين يتحقق فيهم خزي الكفر وهم الذين ارتدوا وماتوا على الكفر .

وفي هذه الآية دليل على المغفرة لجميع أصحاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - .

ويجوز تعلق ( مع ) بفعل ( آمنوا ) أي الذين آمنوا به وصحبوه ، فيكون مرادا به أصحاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - الذين آمنوا به ولم يرتدوا بعده ، فتكون الآية مؤذنة بفضيلة للصحابة .

وضمير ( نورهم ) عائد إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه .

وإضافة ( نور ) إلى ضمير ( هم ) مع أنه لم يسبق إخبار عنهم بنور لهم ليست إضافة تعريف إذ ليس المقصود تعريف النور وتعيينه ولكن الإضافة مستعملة هنا في لازم [ ص: 371 ] معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذ .

وسعي النور : امتداده وانتشاره . شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحف بهم حيثما انتقلوا تنويها بشأنهم كما تنشر الأعلام بين يدي الأمير والقائد وكما تساق الجياد بين يدي الخليفة .

وإنما خص بالذكر من الجهات الأمام واليمين لأن النور إذا كان بين أيديهم تمتعوا بمشاهدته وشعروا بأنه كرامة لهم ولأن الأيدي هي التي تمسك بها الأمور النفيسة وبها بايعوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - على الإيمان والنصر . وهذا النور نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين يوم القيامة . والباء للملابسة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن .

وقد تقدم نظير هذا في سورة الحديد وما ذكرناه هنا أوسع .

وجملة ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ) إلى آخرها حال من ضمير ( نورهم ) ، وظاهره أن يكون حالا مقارنة ، أي يقولون ذلك في ذلك اليوم ، ودعاؤهم طلب للزيادة من ذلك النور ، فيكون ضمير ( يقولون ) عائدا إلى جميع الذين آمنوا مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ، أو يقول ذلك من كان نوره أقل من نور غيره ممن هو أفضل منه يومئذ فيكون ضمير ( يقولون ) على إرادة التوزيع على طوائف الذين آمنوا في ذلك اليوم .

وإتمام النور إدامته أو الزيادة منه على الوجهين المذكورين آنفا وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة ، وذلك كله أدب مع الله وتواضع له مثل ما قيل في استغفار النبيء - صلى الله عليه وسلم - في اليوم سبعين مرة .

ويظهر بذلك وجه التذييل بقولهم ( إنك على كل شيء قدير ) المشعر بتعليل الدعاء كناية عن رجاء إجابته لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية