الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        عاليهم ثياب سندس [21].

                                                                                                                                                                                                                                        مبتدأ وخبره، والأصل عاليهم، حذفت الضمة لثقلها، وهذه قراءة بينة، وهي قراءة أبي جعفر ونافع ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ، وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن وأبو عمرو والكسائي وابن كثير وعاصم : [ ص: 104 ] ( عاليهم ) بالنصب على أنه ظرف، ومثله الفراء بقوله: زيد داخل الدار.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : أما عاليهم فبين أنه منصوب على الظرف، وفي معناه قولان: أحدهما أن الخضرة تعلو ثياب أهل الجنة، والقول الآخر أن هذه النبات الخضر فوق حجالهم لا عليهم، وأما: زيد داخل الدار فلا يجوز عند جماعة من النحويين كما لا يقال: زيد الدار، ولكن لو قلت: زيد خارج الدار جاز.

                                                                                                                                                                                                                                        وروى عبد الوارث ، عن حميد ، عن مجاهد أنه قرأ: (عليهم ثياب سندس) قال أبو جعفر : وهذا لا يحتاج إلى تفسير.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي قراءة ابن مسعود : (عاليتهم ثياب سندس) على تأنيث الجماعة.

                                                                                                                                                                                                                                        وقرأ الحسن ونافع : (ثياب سندس خضر وإستبرق).

                                                                                                                                                                                                                                        وقرأ الأعمش وحمزة : (ثياب سندس خضر وإستبرق) بخفضهما.

                                                                                                                                                                                                                                        وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر : (ثياب سندس خضر وإستبرق) برفع (خضر) وخفض (إستبرق).

                                                                                                                                                                                                                                        وقرأ ابن كثير وعاصم ( ثياب سندس خضر وإستبرق).

                                                                                                                                                                                                                                        وقرأ ابن محيصن ( واستبرق ) بوصل الألف وبغير تنوين.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : القراءة الأولى حسنة، متصل الرفع بعضه ببعض، فخضر نعت للثياب وإستبرق معطوف عليها وانصرف؛ لأنه نكرة، وقطعت الألف؛ لأنه اسم، ولو سميت رجلا باستكبر لقلت: جاءني استكبر، هذا قول الخليل وسيبويه .

                                                                                                                                                                                                                                        والقراءة الثانية على أن من قرأ بها نعت سندسا بخضر، [ ص: 105 ] وفي ذلك بعد؛ لأنه إنما يقال: هذا سندس أخضر، كما يقال: هذا حرير أخضر، إلا أن ذلك جائز؛ لأنه جنس، والجنس يؤدي عن الجميع، كقولك: سندس وسندسات واحد، وعطف و( إستبرق ) على سندس أي: (وثياب إستبرق).

                                                                                                                                                                                                                                        والقراءة الثالثة حسنة أيضا، جعله ( خضر ) نعتا للثياب، وهو الوجه البين الحسن ، وخفض ( إستبرق ) نسقا على ( سندس ) أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                        والقراءة الرابعة خفض فيها ( خضر ) على أنها نعت لـ( سندس ) كما مر ورفع ( وإستبرق ) لأنه عطف على ( ثياب ).

                                                                                                                                                                                                                                        وقراءة ابن محيصن عند كل من ذكر القراءات ممن علمناه من أهل العربية لحن؛ لأنه منع ( إستبرق ) من الصرف وهو نكرة، ولا يخلو منعه إياه من إحدى وجهين، إما أن يكون منعه من الصرف؛ لأنه أعجمي، وإما أن يكون ذلك؛ لأنه على وزن الفعل، والعجمي وما كان على وزن الفعل ينصرفان في النكرة، وأيضا فإنه وصل الألف وذلك خطأ عند الخليل وسيبويه لما ذكرنا، ونصب (استبرق) وإن كان هذا يتهيأ أن يحتال في نصبه، فهذا ما فيه مما قد ذكر بعضه.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : ولو احتيل فيه فقيل: هو فعل ماض، أي وبرق هذا الجمع لكان ذلك عندي شيئا يجوز، وإن كنت لا أعلم أحدا ذكره ( وحلوا أساور من فضة ) وقد طعن في هذا بعض الملحدين، إما لجهله باللغة، وإما لقصده الكفر اجتراء على الله عز وجل، وأخذ شيء [ ص: 106 ] من حطام الدنيا، وذلك أن الجنة لا بيع فيها ولا شراء، ولا معنى لطعنه لقلة قيمة الفضة، ولأن هذا لا يحسن للرجال، فجهل معنى التفسير لأن في التفسير أن هذا يكون لأزواجهن، ولو كان لهم ما دفع حسنه، وقد طعن في الإستبرق ولم يدر معناه، أو دراه وتعمد الكفر، والإستبرق عند العرب ما كان متينا وغلظ في نفسه لا غلظ خيوطه.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : فقد ذكرنا أن هذا الإستبرق يكون فوق حجالهم ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) أي طاهرا من الأقذار والأدناس والأوساخ.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية