الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
4558 (68) باب فضائل nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة
[ 2410 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=661566بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه ، أنا وأخوان لي أنا أصغرهما ، أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم - إما قال : بضعا، وإما قال : ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي - قال : فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي بالحبشة، فوافقنا nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده . فقال جعفر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، قال : فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، قال : فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا - أو قال أعطانا منها - وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه ، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم. قال : فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة - : سبقناكم بالهجرة! قال : فدخلت nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس - وهي ممن قدم معنا - على حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زائرة - وقد كانت هاجرت إلى nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي فيمن هاجر إليه - فدخل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة وأسماء عندها، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حين رأى أسماء : من هذه ؟ قالت nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس : قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء : نعم، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر! كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسأله، ووالله ! لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك . قال : فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله ، إن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال : كذا وكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=treesubj&link=30483_29287_33683_31104_23730_30502_30846_16359_16360ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ، قالت : فلقد رأيت nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا ، يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(68) ومن باب : nindex.php?page=treesubj&link=31563فضائل nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -
يكنى : أبا عبد الله ، كان أكبر من علي أخيه - رضي الله عنهما - بعشر سنين ، وكان من المهاجرين الأولين ، هاجر إلى أرض الحبشة ، وقدم منها على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين فتح خيبر ، فتلقاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعانقه ، وقال : " ما أدري بأيهما [ ص: 458 ] أنا أشد فرحا ، بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر ؟ " . وكان قدومه من الحبشة في السنة السابعة من الهجرة ، واختط له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى جنب المسجد ، وقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أشبهت خلقي وخلقي " . ثم غزا غزوة مؤتة ، وذلك في سنة ثمان من الهجرة ، فقتل فيها بعد أن قاتل فيها حتى قطعت يداه جميعا ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء " . فمن هنالك قيل له : ذو الجناحين . ولما أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعي جعفر أتى امرأته nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس ، فعزاها في زوجها ، فدخلت فاطمة تبكي وهي تقول : واعماه ! فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " على مثل جعفر فلتبك البواكي " .
وأما أسماء فهي : ابنة عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك الخثعمية ، من خثعم أنمار ، وهي أخت nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخت لبابة - أم الفضل - زوجة nindex.php?page=showalam&ids=18العباس ، وأخت أخواتها ، وهن : تسع ، وقيل : عشر . هاجرت أسماء مع زوجها جعفر إلى أرض الحبشة ، فولدت له هنالك محمدا ، وعبد الله ، وعوفا ، ثم هاجرت إلى المدينة . فلما قتل جعفر ، تزوجها nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنهما، وولدت له محمد بن أبي بكر ، ثم مات عنها فتزوجها nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، فولدت يحيى بن علي ، لا خلاف في ذلك ، وقيل : كانت nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس تحت nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب ، فولدت له ابنة [ ص: 459 ] تسمى : أمة الله . وقيل : أمامة ، ثم خلف عليها بعده شداد بن الهادي الليثي ، فولدت له : عبد الله وعبد الرحمن ، ثم خلف عليها بعده جعفر، ثم كان الأمر كما ذكر .
و (قول nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى : إما قال : بضعة ، وإما قال : ثلاثة وخمسين ، أو اثنين وخمسين رجلا ؟) كذا صواب الرواية فيه بإثبات هاء التأنيث في بضعة ، لأنه عدد مذكر ، وبالنصب على الحال من : خرجنا المذكور ، وإما : موطئة للشك ، وما بعدها معطوف عليها مشكوك فيه ، وقد وقع في بعض النسخ ، إما قال : بضع - بإسقاط الهاء - وبالرفع مع نصب : وخمسين ، وذلك لحن واضح ، والأول الصواب .
[ ص: 460 ] و (قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟) نسبها إلى الحبشة لمقامها فيهم، وللبحر لمجيئها فيه، وهو استفهام قصد به المطايبة والمباسطة، فإنه كان قد علم من هي حين رآها .
و (قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منكم ) ، صدر هذا القول من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - على جهة الفرح بنعمة الله ، والتحدث بها ، لما علم من عظيم أجر السابق للهجرة . ورفعه درجته على اللاحق ، لا على جهة الفخر والترفع ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - منزه عن ذلك ، ولما سمعت أسماء ذلك ، غضبت غضب منافسة في الأجر وغيره على جهة السبق ، فقالت : كذبت يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ! أي : أخطأت في ظنك ، لا أنها نسبته إلى الكذب الذي يأثم قائله ، وكثيرا ما يطلق الكذب بمعنى الخطأ ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : كذب أبو محمد ، لما زعم أن الوتر واجب .
و (قولها : كلا والله ) أي : لا يكون ذلك ، فهي نفي لما قال ، وزجر عنه ، وهذا أصل كلا ، وقد تأتي للاستفتاح بمعنى ألا . والبعداء : جمع بعيد . والبغضاء : جمع بغيض ، كظريف وظرفاء ، وشريف وشرفاء .
[ ص: 461 ] و (قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ليس أحق بي منكم ") يعني في الهجرة لا مطلقا . وإلا فمرتبة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه وخصوصية صحبته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معروفة بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " له ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أهل السفينة هجرتان " . وسبب ذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وأصحابه هاجروا من مكة إلى المدينة هجرة واحدة في طريق واحد ، وهاجر جعفر وأصحابه إلى أرض الحبشة ، وتركوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة ، ثم إنهم لما سمعوا بهجرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة ابتدؤوا هجرة أخرى إليه ، فتكرر الأجر بحسب تكرار العمل والمشقة في ذلك .
و (قولها : يأتوني أرسالا ) ، أي : متتابعين جماعة بعد جماعة ، وواحد الأرسال : رسل ، كأحمال جمع حمل . يقال : جاءت الخيل أرسالا ، أي : قطعة قطعة ، ففيه nindex.php?page=treesubj&link=26503قبول أخبار الآحاد ، وإن كان خبر امرأة ، وفيما ليس طريقا للعمل ، والاكتفاء بخبر الواحد المفيد لغلبة الظن مع التمكن من الوصول إلى اليقين ، فإن الصحابة رضي الله عنهم اكتفوا بخبرها ، ولم يراجعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء من ذلك ، وخبرها يفيد ظن صدقها ، لا العلم بصدقها ، فافهم هذا .
و (قولها : ما من الدنيا شيء هم أفرح به ، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ) تعني : ما من الدنيا شيء يحصل به ثواب عند الله تعالى هو في [ ص: 462 ] نفوسهم أعظم قدرا ، ولا أكثر أجرا ، مما تضمنه هذا القول ، لأن أصل أفعل أن تضاف إلى جنسها ، وأعراض الدنيا ليست من جنس ثواب الآخرة ، فتعين ذلك التأويل ، والله تعالى أعلم .